من وحي "كورونا"

محمد محفوظ أبو شمعة

مَنْ أَنْتِ؟ قالتْ: إنَّني "كورونَا"
مَنْ كِدْتُ أُصْبِحُ بَيْنَكُمْ طاعونَا
لَحْنُ الفَناءِ بِهِ فُتِنْتُ بَداهَةً
مِنْ يَوْمِ جِئْتُ وَلَمْ أَزَلْ مَفْتونَة
أَنَا طَفْرَةٌ جينِيَّةٌ جادَتْ بِها
كَفُّ الزَّمانِ كما تجودُ قُرُونَا
أَمْضي إلى صَدْرِ الفَتى وَأذوبُ في
أَنْفاسِهِ وَبِهِ أَهِيمُ شُجُونَا
فَإذا عَلِقْتُ بِهِ سَكَبْتُ بَراعِمِي
في جِسْمِهِ وَبِهِ مَدَدْتُ غُصُونَا
حَتَّى إذا هَوَتْ القِلاعُ وأَقْفَرَتْ
مُدُنُ المَناعَةِ حِمْيَةً وَحُصُونَا
نادَيْتُ يا فَيْروسُ تِلْكَ رُبُوعُهُمْ
فيها فَعِثْ مُتَهَوِّرًا مَجْنونَا
لَكَ كُلُّ مَنْ لَمْ يَعْتَبِرْكَ عَدُوَّهُ
تَسْقِيهِ مِنْ كأسِ المَماتِ مَنونَا
وَلَهُ تَجُودُ بِغُرْبَةٍ ما بَعْدَها
إلّا الضياعُ تَوَحُّدًا وَسُكُونَا
وَلَقَدْ وُلِدْتُ على تُخُومِ مَتاهَةٍ
جِينِيَّةٍ مِنْها غَزَوْتُ الكَوْنَا
فَدَكَكْتُ سورَ الصينِ كُلُّ قِلاعِهِ
صَيَّرْتُها للصِّينِيِّينَ سُجونَا
وَبِأَرْضِ فارِسَ مَرَّ جَيْشي تارِكًا
شَبَحَ الحياةِ مُجَنْدلًا مَطْعونَا
وَأَتَيْتُ "رومَا" ثم شَبَّ حَرِيقُها
وَجَعَلْتُها تَنْسى ابْنَها "نيرونَا"
"باريسُ" تَصْرُخُ هَدَّ جَيْشِي بُرْجَها
"مَدْرِيدُ" تَلْهَثُ مِثْلُها "لَشْبونَا"
والآنَ ها أنا ذي أجُوبُ عواصمًا
والكُلُّ يَرْكُضُ خائفًا مَحْزونَا
ما لي جوازٌ غَيْرُ غَفْلَةِ حامِلي
مَعَهُ أَؤمُّ السوقَ و"الصَّالونا"
أُلْقي خيوطَ تَوَحُّشي مِنْ حَوْلِهِ
شَرَكًا يَصِيدُ الغافِلَ المَغْبونَ
فَإذا ظَفِرْتُ بِهِ عَبِثْتُ بِروحِهِ
وَبِجِسْمِهِ وَتَرَكْتُهُ مَطْحونَا
وَهَرَعْتُ نَحْوَ رِفاقِهِ لِأُرِيهِمُ
مِنْ ما أُجِيدُ مِنَ الشُّرُورِ فُنونَا
أَعَرَفْتَني؟ فَأَنَا جَحِيمُ زَمانِكُمْ
لِي عِنْدَكُمْ دَيْنٌ، فَهَلْ تَقْضونَا
كَمْ مِنْ سُلالاتي قَتَلْتُمْ دونما
سَبَبٍ سِوى عِلْمٍ بِهِ تَحْظَوْنَ!
فَأَجَبْتُها والحَقُّ يَزْأَرُ في فَمِي:
بالعِلْمِ والإيمانِ نَغْزُو الكَوْنَا
أَفَلا نُحارِبُ طَفْرَةً مَلْعونَةً
أَلَقُ الحياةِ لِقَتْلِها يَدْعُونَا
واللهُ يَأمُرُنا بِحِفْظِ نُفوسِنا
بالعِلْمِ زَوَّدَنا وَمَدَّ العَوْنَ
عَزْلُ المُصابِ بِها وَوَضْعُ كمامةٍ
غَسْلُ اليَدَيْنِ بِغَمْرِها صابونَا
وَوُجُوبُ تَرْكِ مَسافةٍ ما بيننا
عِنْدَ اللقاءِ بِحَوْلِهِ تَحْمِينا

 

الشاعر محمد محفوظ أبو شمعة

سبت, 21/03/2020 - 16:40