حتى لا يجوع العالم

إميل أمين

هل أضحى عالمنا المعاصر مهددا بالجوع لا سيما بعد أزمة انتشار فيروس كورونا في الأشهر القليلة الماضية؟

المؤكد أنه وقبل أن ينتشر هذا الوباء كانت هناك أحاديث عميقة ومخيفة عن الجوع في العالم، لأكثر من سبب، هذا الحديث انطلق بشكل جذري في أواخر العقد الأول من القرن الحالي، وبالتحديد مع الأزمة المالية التي ضربت الولايات المتحدة الأميركية، بسبب إشكالية الرهونات العقارية وإفلاس بعض من كبريات البنوك الأميركية، عطفا على أزمات التغير المناخي، وتبعاتها السلبية على حالة الأرض والإنتاج الزراعي ووفرة المحاصيل أو ندرتها.

والشاهد أن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو"، كانت قد أصدرت في السنوات القليلة الماضية أكثر من تقرير تلفت فيه إلى الخوف الذي يعم البشرية من ارتفاع عدد سكان الكرة الأرضية باكثر من 2.3 مليون نسمة في عام 2050 ليصل العدد الإجمالي للبشرية إلى 9 مليارات نسمة، الأمر الذي يستدعي بالضرورة ازديادا في استهلاك الغذاء، ويبقى السؤال: هل تجود موارد الأرض بزيادة مقابلة مساوية؟

بالعودة إلى العلاقة التي رسم أبعادها الباحث السكاني والاقتصادي الإنجليزي الشهير "توماس مالتوس" (1766-1834)، بين موارد الأرض وعدد السكان، وفيها أن السكان يتزايدون بمتوالية هندسية، في حين أن الموارد تتصاعد بمتوالية عددية، نخلص إلى أن احتمالات حدوث المجاعات هو الأقرب بالنسبة إلى البشر إن لم تكن هناك حلول ابتكارية خارج المألوف والمعهود.

لماذا الآن الحديث عن الجوع حول العالم؟

الشاهد أن صحيفة النيويورك تايمز الأميركية الشهيرة، كانت قد افردت في الأيام الفائتة صفحاتها لتحقيق عريض عن الجوع الذي سيقتل العالم، قبل أن تفعل ذلك كورونا.

لا يحاجج أحد بأن سطور التحقيق جاءت من جراء ارتفاع مخاوف الأميركيين مما يجري في داخل امبراطوريتهم المنفلتة والتي لجم وحجم منها بصورة أو بأخرى هذا الفيروس، لا سيما أن التحقيق قام عليه مراسلو الصحيفة الكبرى في العديد من عواصم العالم وخلصوا فيه إلى أن ما نحوه ثلاث مئة مليون نسمة مهددون بالموت جوعا عما قريب من جراء الصدمة الأولى لكورونا.

نعني بتعبير الصدمة، أن عجلة الانتاج الزراعي والاقتصادي والتجاري التي توقفت في العديد من بلدان العالم، سوف تتضح آثارها وتبعاتها الكارثية عما قريب، حين يستيقظ المعذبون في الارض فلا يجدون ما يأكلون، لأن الارض توقفت عن العطاء، والأيدي العاملة عن الحركة.

كارثة مشهد الجوع الآني، تختلف عن مشاهد المجاعات السابقة والتي كانت اقليمية أو مناطقية، وناجمة عن عامل واحد هنا أو هناك، ذلك انه مشهد معولم ممتد حول قارات الأرض الست، فلم يخفق كورونا في ترك منطقة لم يصبها، عطفا على ما ولدته الازمة من عوامل اقتصادية موصولة، مثل فقدان الملايين لوظائفهم، وانهيار أسعار النفط، وانعدام حركة السياحة، وعودة العمالة الاجنبية إلى اوطانها ما يضع اعباء اضافية على كاهل الحكومات المحلية.

أحد الأسئلة التي يطرحها المشهد العالمي الحالي: "هل ازمة الجوع ازمة اقتصادية ام اخلاقية، لا سيما بعد أن بات إطعام الاثرياء في الشمال طريقا لتجويع الفقراء في الجنوب، على حد تعبير الكاتب البريطاني الشهير "باتريك سيل"، في مقال له عنوان "العالم مهدد بخطر المجاعة"؟

في دراسة حديثة قامت عليها الباحثة الاقتصادية "هليجا لاروش"، زوجة عالم الاقتصاد الأميركي "ليندون لاروش" ونشرت عبر موقع "انتلجنس ريفيو"، نجد أن علامات كارثة إنسانية لم نشهد لها مثيلا من قبل شاخصة أمامنا اليوم كالنبوءة، ومن أسف شديد فإن الويل القادم سيدمر الإنسانية برمتها، إذا لم تنجح الحكومات حول العالم في التحكم فيها بسرعة، وبنسق أخلاقي وبراغماتي في الوقت عينه.. كيف يمكن أن يجتمع الضدان؟

ببساطة شديدة، نحن نتحدث هنا عن البراغماتية المستنيرة، ذلك أنه من غير تقديم يد العون من جانب العالم الغني والثري والمتقدم، إلى النصف الآخر من الكرة الأرضية الفقير والمعدم، والذي زادت كورونا في ضبابية حاضره وظلامية مستقبله، فان هجرات عكسية، وحركات إرهابية، وموجات بشرية، ستتساوى عندها الحياة مع الموت، ستمضي في تغيير الاوضاع الديموغرافية والجغرافية حول كوكب الارض، ما يعني دخول الجميع في دوامة عنف وفوضى أشد فتكا من كورونا عينها.

لن تقتصر المخاوف من جانب الفقراء تجاه الاغنياء فقط، إذ سترتفع حدة الصراعات الحدودية بين الدول، حتى الفقيرة منها، فالرغبة في النجاة من الموت جوعا، سوف تحرك الجماهير الغفيرة ذات اليمين وذات اليسار على مرمى البصر، على امل الفرار من القدر المحتوم.

يذهب البروفيسور "راي بوش" استاذ الدراسات الإفريقية، وسياسات التنمية بجامعة ليدز بهولندا، في كتابه "هل الليبرالية الجديدة وراء فقر فقراء العالم"؟، إلى أن أكبر إهانة في القرن الحادي والعشرين، هي وجود أناس يموتون من الجوع، وفي جنوب الكرة الأرضية يوجد ملايين الأشخاص يعانون من سوء التغذية المزمن والحاد.

هل من قراءات لحلول ممكنة رغم كورونا؟ يمكن لبعض الافكار التالية أن تقي العالم شر الجوع ومنها:

** أن يتمتع القائمون على شؤون العالم بضمير إنساني صالح ينظر للبشر بعين المساواة دون إقصاء أو استعلاء، أو اللجوء الى سياسات التكبر والتجبر لصالح بشر بعينهم والحكم بفناء بقية شعوب العالم.

** تأسيس نظام "بريتون وودز" جديد، وصفقة جديدة لكل العالم، على غرار ما فعله الرئيس الأميركي الراحل فرانكلين روزفلت لأميركا، نظام تتمكن من خلاله جميع الامم من التنمية والبناء على قدم المساواة.

** التضافر بين المنتجين والقائمين على التجارة الزراعية المطلوبة وكذلك تحسين المناخ الاستثماري للزراعة.

** أما على الصعيد العربي تحديدا فربما تكون نقمة الازمة الغذائية في واقع الحال نعمة قادمة تدفع الحكومات العربية للانطلاق قدما في مسيرة التكامل الاقتصادي كمرحلة أولية لنشوء وحدة عربية اقتصادية، وكمقدمة طبيعية لاتحاد سياسي اوسع وارفع وانفع، في زمن لا يعترف سوى بالتكتلات الكبرى ويرفض الحلول الفردية.

هل البشرية ودول العالم المتقدم في حاجة لقراءة إعلان حقوق الإنسان وفي قلبه أن يكون لدى الناس ما يكفيهم لإطعام أطفالهم وأنفسهم؟

يبدو أن ذلك كذلك وما عداه يظل العنوان الأكبر لعار العالم الذي لا ينمحي وهو الجوع، في القرن المليء بالتكنولوجيا والمخترعات التي عجزت عن توفير لقمة الخبز للإنسان بسبب جشع أخيه الإنسان.

 

نقلا عن العربية نت

ثلاثاء, 28/04/2020 - 22:34