كيف تفكر الصين؟

حسين شبكشي

تزداد الاتهامات ضد الصين وعلاقتها بشكل أو بآخر في التسبب بانتشار فيروس كورونا حول العالم، وتحوله إلى جائحة مدمرة قضت على صحة الإنسان واقتصاد الدول.
وبالتدريج، هناك حالة قانونية يتم إعدادها ضد الصين من أقطاب المجتمع الصناعي مدعمة بالأدلة والبراهين التي تحمّل الصين «المسؤولية» جراء ما حدث، وبالتالي عليها تحمّل «العقوبات» التي تأتي نتيجة لذلك. ولكن من المهم أن نفهم العقلية التي تحرك الصين، وما الدوافع الرئيسية المؤثرة في قراراتها. هناك أربع مراحل تؤثر بشكل أساسي في تفكير الصين بشكل واضح ومؤكد.
المرحلة الأولى كانت المرحلة الإمبراطورية، التي استمرت بمجملها ما يقارب ألفي عام حتى بدايات القرن العشرين، وأُسس خلالها نظام بيروقراطي معقد أصبح مضرباً للأمثال، وسميت لاحقاً بالبيروقراطية الإمبراطورية، ولكنها تطبعت أيضاً بتأثير تعاليم أهم شخصية في تاريخ الصين الفكري وهو كونفوشيوس، الذي عاش قبل الفترة المذكورة بمئات السنين، ولكنه قدم خلاصة حكيمة من الأفكار المبنية على إرث الصين القديم وتعاليم البوذية والطاوية، ومع مرور الوقت تكرست أهم هذه القيم في العقلية الصينية؛ وهي: الالتزام والاستقرار والتفوق العلمي والمنصب الرسمي المرموق. وكإمبراطورية مثلها مثل الإمبراطورية الرومانية في الغرب، كانت لها أطماع توسعية، وعانت من هذا الأمر بشكل أساسي كل من كوريا واليابان، وهذا يفسر علاقات القلق والحذر والشك الموجودة بينهما إلى اليوم. المرحلة الثانية هي التي تسمّى «الإهانة الأجنبية» والمقصود منها التدخل البريطاني في الشؤون الداخلية، وإغراق الصين بالأفيون، والتسبب في إدمان شريحة كبيرة من الشعب المنتج وخداع الصين من قبل بريطانيا والبرتغال لأخذ جزيرتي هونغ كونغ وماكاو منها بعقود إيجارية وصفتها بأنها «مجحفة»، وكذلك «احتلال» فرنسا للمركز التجاري الأهم في الصين؛ وهي مدينة شانغهاي، وهذه الحقبة لا تزال تسبب ألماً شديداً في وجدان الشعب الصيني.
المرحلة الثالثة كانت الثورة الثقافية التي كانت الاسم الرسمي للانقلاب المدمر الذي قاده ماو تسي تونغ، وجاء بمنظومة شيوعية متطرفة وسميت باسمه «الماوية»، وتسببت في الانهيار التام للاقتصاد الصيني والقضاء على قدراته الزراعية، بعد سلسلة فاشلة من المبادرات العشوائية، وهذه المرحلة بدأت منذ عام 1949 حتى عام 1978، والسنوات الخمس التي تلتها والتي شهدت إصلاحات اقتصادية عميقة قادها دنغ زياو بنغ. والآن هناك حقبة الرئيس شي الذي يوصف بأنه أهم رئيس صيني في الحقبة المعاصرة، والذي تمكن من الحصول على صلاحيات جديدة واستثنائية تمكنه من المضي قدماً في «الوصول بالصين إلى المكانة المستحقة لها». هناك اهتمام هو أقرب إلى الهوس في الصين بمؤشرات مختلفة كبناء أكبر مطار، وأكبر ملعب رياضي، واستضافة أكبر دورة ألعاب أولمبية، وأن يكون أكبر بنك منها وأكبر شركة في العالم صينية. عندما أطلقت الصين مبادرتها الطموحة «الحزام والطريق»، كانت هناك الآراء التي تقول إن هذه هي خطة الصين لتكون الدولة الأولى عالمياً، من خلال نافذة الاقتصاد، مع عدم إغفال الصرف المتزايد منها على العتاد العسكري، وتوسيع رقعة نفوذها العسكري خارج حدودها بشكل بعث القلق في نفوس محيطها الإقليمي.
هناك دافع انتقامي قديم يحرك القرار الصيني، لعل أبرز دوافعه هو الانتقام من الإهانة التي حصلت لها من «الغرب» بحسب تعريفهم، ولأجل ذلك ستستغل الصين كل الأدوات المتاحة لها، وهي تعتقد أن لديها ميزة تنافسية استثنائية تمكنها من تحقيق أهداف عظيمة، وأهم هذه الأدوات صينيو المهجر. وهم قوة اقتصادية مؤثرة جداً ولا يمكن الاستهانة بها، وهي كما وصفها ستيرلينغ سيغريف «الإمبراطورية الخفية لصينيي المهجر»، في كتابه المهم «لوردات الحوض»، وكذلك قدمت الكاتبة لين بان وصفاً دقيقاً عن تاريخ انتشارهم حول العالم في كتاب ممتع اسمه «أبناء الإمبراطور الأصفر»، التي وصفت فيه سيطرة الأقلية الصينية على اقتصاديات الفلبين وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة ووجودهم المؤثر في أميركا الجنوبية وأفريقيا وأميركا الشمالية.
من المهم معرفة كيف تفكر الصين وما الدوافع التاريخية والمعاصرة لسياساتها، وقتها من الممكن «فهم» اتجاه البوصلة الصينية، وتبعيات ذلك على الاستقرار السياسي والاقتصادي للعالم.

نقلاً عن "الشرق الأوسط"

خميس, 21/05/2020 - 15:52