الأزمة الليبية.. والفرصة الأخيرة

وحيد عبد المجيد

كثيرة هي الفرص التي ضاعت، أو ضُيعت، لتسوية الأزمة المستمرة في ليبيا، منذ ما يقرب من عشر سنوات. ويقدم «إعلان القاهرة»، الصادر مؤخراً، فرصة جديدة لإنقاذ ليبيا وشعبها من أخطار لا تقتصر على التدهور المتزايد في الأوضاع الأمنية والاقتصادية. فقد خلق التدخل التركي أخطاراً جديدة على مستقبل ليبيا، نتيجة أطماع نظام الرئيس أردوغان في غازها ونفطها، وسعيه إلى تعويض خسائر حلفائه في جماعة «الإخوان» وغيرها من قوى التطرف والإرهاب، عبر دعم نفوذهم في المناطق التي تسيطر عليها ميليشيات حكومة الوفاق.
ولم تأت المبادرة المصرية، المتمثلة في «إعلان القاهرة»، من فراغ، بل تمثل امتداداً وتطويراً لمبادرات سبقتها، منذ مبادرة المبعوث الأممي المستقيل غسان سلامة في سبتمبر 2017، وحتى مؤتمر برلين في نوفمبر 2019، مروراً بمؤتمر باريس الذي عُقد في مايو 2018، ومؤتمر باليرمو في إيطاليا في نوفمبر من العام نفسه.
وعلى سبيل المثال، يتضمن إعلان القاهرة دعوة إلى إكمال مسار اللجنة العسكرية (5+5) التي تم تشكيلها في إطار مخرجات مؤتمر برلين، وعقدت اجتماعين بجنيف في فبراير الماضي، تمخضا عن مسودة أعدتها بعثة الأمم المتحدة للاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار، وتسهيل عودة آمنة للمدنيين، وإيجاد آلية مراقبة مشتركة. لكن حكومة الوفاق عطلت هذا التطور الذي بدا إيجابياً في حينه، وعلّقت مشاركتها في اجتماعات اللجنة العسكرية، متذرعةً بأن الجيش الوطني الليبي استهدف مستودع ذخيرة في ميناء طرابلس، مثلما أفشلت اللجنة السياسية التي تمخضت بدورها عن مؤتمر برلين، قبل أن يبدأ عملها.
ويبني إعلان القاهرة على أفكار ومقترحات تضمنتها المبادرات السابقة لحل الأزمة الليبية، ويقدم - في الوقت نفسه - تصورات جديدة، يتعلق أهمها بآليات تشكيل المجلس الرئاسي. فقد كانت إعادة تشكيل، أو هيكلة، هذا المجلس مطروحة في معظم المبادرات السابقة.
لكن «إعلان القاهرة» يطرح آلية مختلفة عما تضمنته تلك المبادرات، وهي انتخاب المجلس الرئاسي عبر مجمعات انتخابية في كل من الأقاليم الثلاثة التي تتكون منها ليبيا (برقة، وفزان، وطرابلس). ووفق هذه الآلية، يقوم كل إقليم باختبار أعضاء المجمع الانتخابي من أعضاء ينتمون إليه في مجلسي النواب والدولة، إلى جانب شيوخ القبائل والأعيان، على أن تشرف الأمم المتحدة - بشكل مباشر - على تشكيل المجمعات الانتخابية، وضمان سير عملية اختبار المرشحين للمجلس الرئاسي الجديد.
وتجنباً لإساءة تفسير هذه الآلية، يتضمن الإعلان تأكيد وحدة الأراضي الليبية واستقلالها، إلى جانب ما ورد في مبادرات سابقة بشأن تفكيك الميليشيات، وتسليم أسلحتها، وإخراج المرتزقة الأجانب الذين تنامى خطرهم بعد نقل نظام أردوغان مقاتلين سوريين يتبعون جماعات متطرفة إلى ليبيا.
لكن مثلما أفشلت حكومة الوفاق المبادرات السابقة التي حمل كل منها فرصة لحل الأزمة، سعت إلى تعطيل «إعلان القاهرة»، مستندة - هذه المرة - إلى دعم تركيا التي أضاف تدخلها العسكري والسياسي عقبة جديدة أمام جهود إنهاء الأزمة. غير أن الدعم العربي والدولي الواسع للمبادرة المصرية أربك حسابات أنقرة، وفرض على حكومة الوفاق العودة إلى اجتماعات اللجنة العسكرية المنبثقة عن مؤتمر برلين، والتي دعا «إعلان القاهرة» إلى إكمال مسارها، كما سبقت الإشارة.
ومع ذلك، سيسعى نظام أردوغان إلى الالتفاف على «إعلان القاهرة»، وسيحاول استغلال اضطراب النظام العالمي، مراهناً على أن تعارض مصالح قوى دولية كبيرة، يحول دون حدوث توافق دولي على حل الأزمة.
وربما تكون صعوبة تحقيق هذا التوافق، وازدياد التنافس الأميركي الروسي من ناحية، والفرنسي الإيطالي من الناحية الثانية، المشكلة الأولى التي تواجه المبادرة المصرية. ولذا، يحتاج التحرك المصري، من أجل تهيئة الأجواء لتوافق دولي، دعماً من الدول العربية التي تريد الخير لليبيا، وتطمح إلى حل أزمتها. فهذا التوافق ضرورة لتفعيل دور مجلس الأمن الدولي، وتمكينه من إصدار قرار يفتح الطريق لإعمال «إعلان القاهرة»، ويمهد - بالتالي - لبدء مرحلة انتقالية يتم خلالها إعادة تنظيم مؤسسات الدولة الليبية، وفق ما يتضمنه هذا الإعلان، ويُرغم حكومة الوفاق وحلفاءها، وفي مقدمتهم- الآن - تركيا، على قبول الإجراءات المتعلقة بتشكيل المجمعات الانتخابية واختيار المرشحين للمجلس الرئاسي الجديد.
ويتطلب ذلك، إصدار قرار مُلزم من مجلس الأمن الدولي، تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لأن القرارات من نوع القرار 2510 الصادر في فبراير الماضي، تفتقد قوة الإلزام الضروري لدعم جهود إنقاذ ليبيا في إطار «إعلان القاهرة»، الذي قد يكون فرصة أخيرة لحل أزمة طال أمدها.

نقلا عن الاتحاد

خميس, 18/06/2020 - 15:53