تطور خطاب العبودية في موريتانيا

أحمد ولد المختار

قضية العبودية لم تعد بذلك الوهج الذي كان موجودا في الأزمنة الغابرة، فلا بد لها الآن أن يضاف إليها ما ليس منها كالتمييز العنصري "آبرتايد"، أوخلق مشاكل بينية أوجفاء بين أبناء المجتمع الواحد لاستعطاف الاتباع وإبقاء وهجها متقداً، كما لوحظ في بعض الخطابات مؤخراً .
مردّ ذلك أنها عرفت طريقها إلى الحل ولم يعد أحدٌ يزايد على أحد في نبذ العبودية واعتبارها من الماضي الذي تجب محاربته ومعالجة آثاره .

المتتبعون لا يكادون يجدون حالة عبودية واحدة لأن الرق تم تحريمه ومحاصرته قانونا في أوائل الثمانينات من طرف الرئيس السابق محمد خونه ولد هيدالة .
وتم تجريمه أخيراً في فترة الرئيس محمد ولد عبد العزيز بما لا يترك مجالاً للشك . وتوج هذا التجريم بموافقة البرلمان الموريتاني على قانون تجريم الرق . وظهر أكبر زعماء البلد المناضلين ضد العبودية وأكثرهم شهرة مسعود ولد بلخير ليقول أمام الجميع: أن لا عبودية بعد اليوم، إلا من ارتضى ذلك لنفسه، ولا يمكن قهر أحد ولا إجباره .
من هذا المنطلق يمكن القول إن العبودية لم تعد موجودة في موريتانيا والذين يحلوا لهم وصف الموريتانيين بأنهم إقطاعيون ويمتلكون العبيد الآن، يجانبهم الصواب .

ومع ما عرفه البلد من تطور هام في هذا الصدد فإن الخطاب المتعلق بالعبودية لم يتطور عند البعض، إذ لا يزال كأنه في بداياته وكأن شيئاً لم يتغير، نقول لهؤلاء بدلاً من ذلك وبدل نهج التوتير والتهييج الذي نشاهده ونسمعه من بعض النشطاء، عليكم أن تنتجوا خطابا واقعيا فيه طمأنة للحراطين أن نضالهم أثمر وأنه لم يذهب سدىً، وأنهم أحرار يعيشون في وطنهم متساوون مع غيرهم في كل شيء .
وبعد ذلك لننطلق مما هو مشترك بيننا وجامع، فنحن أتباع دين واحد، ونحن أصحاب لغة واحدة ولهجة واحدة، وعاداتنا تقاليدنا واحدة في المطبخ والملبس والفولكلور، إننا نشبه بعضنا في كل شيئ، فلماذ خطاب الكراهية والنفور ؟.

إن الكفاح المشروع من أجل قضية مشروعة ينبغي أن لا يشاب بإدخال قضايا جانبية إليه، لا تمت إلى القضية الأم بصلة . فحري بالمعنيين بالأمر والمناضلين الأوفياء أن يعرفوا أين وصلوا في نضالهم؟ وماذا انجزوا وماذا بقي لهم ؟.
وليصدقوا أنفسهم وقضيتهم ووطنهم في كفاحهم ويستنكروا التصريحات المضللة، ولا يتركوا الحبل على الغارب لمن هب ودب لإيصال أفكار ومعلومات خاطئة وفي أغلب الأحيان مسيئة .
ومن حسن الصنيع أن يلجموا الأفواه التي تسيئ إلى قضية وطنية يناصرها الجميع من خلال :

أولا تقويم شامل يعرض بوضوح أين وصلت القضية وأين كانت، لسد الطريق أمام المزايدين الجدد على المناضلين الأول الذين حملوا القضية في الزمن الصعب حتى أوصلوها إلى بر الأمان .

ثانيا رفض إدخال فيها ما ليس منها لتحافظ على مسارها ولتستقطب كل شرائح وفئات المجتمع .

ثالثا إبعاد بعض المغالين والمتطرفين الذين يلهبهم حماسهم الزائد وينحرف بهم عن الصواب، وإسناد الأمر إلى المتعلمين وأصحاب الرأي والحكمة الذين يعرفون معنى الحرية ومعنى الكرامة ومعنى العيش المشترك .

وإذا كان البلد قطع أشواطاً هامة في محاربة العبودية وآثارها فهناك قضايا أخرى عادلة لا تقل أهمية يجب أن نحارب من أجلها مرتبطة بالتنمية، وبإصلاح الإدارة ومكافحة الرشوة وترسيخ العدالة والديمقراطية، وهي قضايا سيظل الكفاح من أجلها باقيا ومستمرا ببقاء البشرية .

سبت, 27/06/2020 - 13:23