خواطر حول ليبيا والتدخل التركي

عبدالله جمعة الحاج

وردت إليّ مجموعة من التعليقات من قرّاء كرام من داخل دولة الإمارات العربية المتحدة ومن خارجها، بعضها مؤيد وبعضها الآخر ناقد، حول ما كتبته حتى الآن حول الشأن الليبي، وتدخل حكومة رجب طيب أردوغان العسكري والسياسي فيه بصورة سلبية، أضرّت بمصالح ليبيا والليبيين، وخلط أوراق الموضوع إلى درجة سيئة جداً، جعلت من ليبيا ساحة مفتوحة أمام المرتزقة والإرهابيين وفلول «داعش»، وكافة المتطرفين في العالمين العربي والإسلامي. بالنسبة للمؤيدين فلهم الشكر، أما الناقدين، خاصة المتشنجين منهم، تأييداً لما سمع أحدهم بأنه موقف لدولة إسلامية ورجل مسلم مؤيد من قبل الشعب التركي، فإني سأرد عليه في سياق نظرة سياسية عامة متجاوزاً كل أمر سلبي قيل في حقي حول المسألة الليبية وما كتبته حولها.
بالنسبة للناقدين أقول بأن ما هو موجود في ليبيا اليوم هو قصص مؤلمة من المعاناة والحسرة وقلة الحيلة الناتجة عن الغزو التركي، لذلك فإن من حق الشعب الليبي أن يجد من يناصره من إخوانه العرب ومن أحرار العرب الذين يرفضون كل تدخل أجنبي طامع في خيرات بلادهم وثرواتها ومن كل طامع للتوسع فيها والهيمنة السياسية والاستراتيجية والاقتصادية عليها، وبأن يحصل على فرصته للتعبير عن ذاته مباشرة على الملأ وأمام العالم أجمع مبيناً رفضه التام والقاطع للغزو التركي لبلاده.
مجموعة المقالات التي سطّرتها حول الشأن الليبي والتدخل التركي الغاشم في شؤون ليبيا كانت ولا زالت في لحظات من الألم الشديد والمعاناة النفسية القاسية التي عشتها ولا أزال أعيشها نتيجة لهذا الغزو الشنيع الغاشم.
وفي حقيقة الأمر هي مقالات في التحليل السياسي وفي الاستراتيجيات السياسية والعسكرية والأمنية وفي الدبلوماسية البراجماتية، أردت من ورائها كشف نوايا رجب طيب أردوغان، ومن ورائه حزب «العدالة والتنمية» الذي يرتبط به «الإخوان» جرّاء فعلته المشينة في ليبيا وفي غيرها من بلاد العرب خاصة سوريا والعراق. مثل هذه المواضيع تناقش اليوم ومنذ فترة وباستمرار في الأجهزة المتخصصة ومراكز البحث والأقسام العلمية في الجامعات. ما كتبته هو تعبير عن الغضب والاستياء الذي أشعر به ونصرة لإخواني وأخواتي أبناء الشعب الليبي الحر الذين صاروا يعانون الآن من القتل والسحل والتنكيل والتهجير والاضطهاد وكل أنواع العذاب النفسي والجسدي على يد قوات رجب طيب أردوغان ومرتزقته. ما نقوم به هو محاولة صادقة لعكس معاناة شعب بأكمله بات عدد كبير منهم مشرد، وينتشرون كنازحين ولاجئين في داخل ليبيا وفي العديد من دول العالم بسبب هذا الغزو الغاشم، وهو تسليط للضوء على قضية شعب كان بالأمس القريب يعيش في وطنه آمناً مطمئناً ينعم فيه بخيراته ويتعرض اليوم للمهادنة ومحاولات الإذلال في شكل جديد من الاستعمار التركي الجديد.
أحد الذين علّقوا سلباً على ما كتبته، يقول بأن رجب طيب أردوغان وحزب «العدالة والتنمية» فرقاء منتخبون شعبياً ويحصلون على دعم من أغلبية الشعب التركي للقيام بما يشاؤونه في داخل تركيا وفي خارجها. وهذا قول مردود عليه جملة وتفصيلاً وتدحضه الكثير من الأدلة التي تعكس استياء الشعب التركي بما يقوم به أردوغان وزمرته تجاه العرب وأوطانهم. والسؤال هو هل حقاً أن أغلبية الشعب التركي تدعم ما يحصل ضد العرب؟ أم أن حكومة أردوغان قامت بتضليل الشعب التركي، من خلال الإعلام، حول ما يدور في الدول العربية التي يعتدي عليها ويحاول إقناعهم بأن ما يقوم به هو في صالحهم وصالح وطنهم التركي؟ التاريخ وحده هو الذي سيحكم على هذه الطروحات المضللة سواء حول ليبيا أو غيرها من بلاد العرب. وفي الختام أنا أتساءل هل يريد أردوغان حقيقة حماية فقراء العالم العربي كما يدعي، أم هو وزمرته يريدون زيادة ثرواتهم الشخصية وتنصيب أنفسهم خلفاء جدد على العالم العربي، بغض النظر عن فداحة الثمن الذي سيترتب على ذلك من زهق لأرواح البشر وهدر للأموال وإضرار بسمعة تركيا ذاتها؟

نقلا عن الاتحاد 

سبت, 19/09/2020 - 12:08