التعليم عن بعد: مقترحات لحل مشاكل الطاقة الاستيعابية في مؤسسات التعليم العالي و تدني مستويات الطلاب

بابا آدو

هذه المقالة في الأصل ورقة قدمت في ندوة نظمها مركز مناعة، أبريل الماضي، أعيد نشرها تزامنا مع نتائج الباكالوريا و بدء العام الدراسي الجديد

مقدمة 

شهد العقدان الماضيان إقبالا متزايدا على التعليم عن بعد، و بشكل أخص التعليم عن طريق الإنترنت. و بدأت مؤخرا عدة دول نامية، خصوصا دول ذات كثافة سكانية كبيرة في جنوب آسيا و إفريقيا جنوب الصحراء - كمحاولة لسد النقص الكبير في المؤسسات التعليمية العاجزة عن استيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب - بالاستفادة من الفرص التي تتيحها الإنترنت و تكنولوجيا المعلومات من أجل توفير تعليم جامعي لأكبرعدد ممكن من طلابها. وفي الوقت نفسه ازدهرت سوق التعليم الإلكتروني في الدول المتقدمة حيث بدأت عدة جامعات عريقة في أمريكا و أوروبا بتقديم شهادات في تخصصات مختلفة عبر الإنترنت، كما ظهرت تجربة ال"مووك" (MOOC) أوالمساق الهائل المفتوح عبر الإنترنت  و هي منصات إلكترونية مفتوحة بعضها ربحي توفر دورات قصيرة وطويلة و إفادات و شهادات  في تخصصات متنوعة و تستقبل أعدادا هائلة من الطلاب.

وحين أرغمت جائحة كورونا المؤسسات التعليمية على إغلاق أبواها و ألزمت الطلاب البقاء في بيوتهم بدا أن التعليم عن بعد هو الخيار الوحيد المتاح لمواصلة الدراسة و لتجنب فراغ دراسي قد يمتد لأشهر. إلا أن الدول التي لا تمتلك تجارب سابقة في التعليم عن بعد واجهت صعوبات كبيرة في الاستفادة الفعلية من الانتقال بالتعليم إلى المنصات و التطبيفات الإلكترونية، و من بين هذه الدول موريتانيا التي اضطرت إلى التوجه نحو التلفزيون لتعويض إغلاق المدارس على مستوى التعليم الابتدائي و الثانوي، و تأخرت وزارة التعليم ثلاثة أسابيع من بداية الإغلاق المدرسي قبل أن تطلب من الجامعات و معاهد التعليم العالي التابعة لها توفير نسخ إلكترونية من الدروس و وضعها على مواقع المؤسسات التعليمية ليستفيد منها الطلاب.

لكن  كان واضحا أن الوزارة لا تتوفر على خطة لتقديم تعليم عن طريق الإنترنت كما أن المؤسسات التعليمية هي الأخرى تفتقد الوسائل و الخبرة الكافية لتقديم دروسها على الإنترنت بطريقة يستفيد منها كل الطلاب، فبعضها لا تمتلك حتى مواقع إلكترونية محينة ومعروفة لدى الطلاب. و الحق أن عوامل أخرى خارجة عن إرادة الوزارة و المؤسسات التعليمية، و تتعلق أساسا بضعف البنية التحتية الرقمية، هي العائق الأبرز لتعميم فكرة التعليم عن طريق الإنترنت.

في هذه الورقة نقدم - بناء على دراسة و اقع التعليم العالي في البلد و الاستئناس بتجارب عالمية - جملة من المقترحات و التوصيات تحث على التوجه صوب التعليم الافتراضي و الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات من أجل التغلب على بعض المشاكل البنوية التي يعاني منها التعليم العالي بما في ذلك الطاقة الاستيعابية للمؤسسات التعليمية، و تدني المستويات لدى طلاب الثانوية و الجامعة. سنتحدث أولا بشكل موجز عن واقع التعليم العالي في البلد، ثم نسلط الضوء على بعض التجارب المتعلقة بالتعليم عن بعد في محيطنا الإفريقي، على أن نقدم أربع مقترحات أو خطوات نرى أنها ستمكن البلد من استفادة أكبر من الفرص التي يتيحها التعليم عن بعد.

أولا: واقع التعليم العالي و مخرجاته

تعاني موريتانيا من نقص حاد في مؤسسات التعليم العالي؛ فالجامعات القليلة و المعاهد و المدارس العليا في البلد تبدو عاجزة عن استيعاب الأعداد المتواضعة من الناجحين في الباكالوريا التي تبدو منخفضة جدا مقارنة بنسب النجاح في دول الجوار. في العام 2019، مثلا، لم تتجاوز نسبة النجاح 10% في الوقت الذي بلغت فيه النسبة نفس العام في الجزائر 56 %، وفي المغرب 50 %، و في مالي 25 %، وفي السنغال 37%.  ورغم تواضع هذه النسبة بدا أن الطاقة الاستيعابية للجامعات و المعاهد الوطنية العليا لا يمكن أن تتحملها، حيث أصدرت الوزارة قرارا يمنع من تجاوزت أعمارهم 25 سنة من التسجيل، و مع أنها تراجعت بعد ذلك عن هذا القرار إلا أنه أظهر بشكل واضح أن البنية التحتية للخدمة العمومية التعليمية عاجزة بالفعل عن الاستجابة للطلب المتزايد عليها.

و على مستوى المخرجات، يبدو أن نسبة كبيرة مما تنتجه المؤسسات التعليمية سنويا لا يتناسب مع سوق العمل الوطني أو الدولي، فالبطالة متفشية بين حاملي شهادات جامعية عليا في تخصصات متنوعة؛ و تستقدم عدة شركات أجنبية عمالة من الخارج و تتحدث عن عدم ملائمة كثير من مخرجات التعليم الوطني للوظائف المتوفرة لديها، في الوقت الذي يشتد فيه الضغط على الدولة لإدماج هذه المخرجات في الوظيفة العمومة. وإذا ما استثنينا معاهد  وكليات قليلة، تبدو معظم مؤسسات التعليم العالي في وضعية أقل ما توصف به أنا غير مرضية.

ثانيا: تجارب إفريقية في التعليم عن بعد

نذكر فيما يلي بشكل مختصر بعض التجارب في دول الجوار و محيطنا الإفريقي بشكل أوسع من أجل الاستفادة منها. و نلاحظ أن التعليم عن بعد يتم عادة عن طريق ثلاثة أشكال: الجامعة الافتراضية، و مراكز التعليم عن بعد، و المنصات المفتوحة.

الجامعة الافتراضية

يبدو أن هناك تجارب إفريقية عديدة في إنشاء الجامعات الافتراضية، و قد حاولنا حصر أبرز هذه الجامعات و تقديمها بشكل مختصر كما يلي:

الجامعة الافتراضية الإفريقية: تأسست عام 1997 بتمويل من البنك الدولي وتحولت إلى منظمة حكومية دولية مقرها في نيروبي، كينيا و لديها مكتب إقليمي في داكار، السنغال. تضم الجامعة في عضويتها 19 بلدا إفريقيا من بينها موريتانيا، و توفر برامج تدريب  و شهادات جامعية بالإنجليزية و الفرنسية و البرتغالية عبر شبكة جامعاتها التي تضم 53 مؤسسة في 27 بلدا.

جامعة أوغاندا الافتراضية: جامعة حرة تأسست عام 1997 و تعتبر أقدم جامعة افتراضية إفريقية. توفر الجامعة برامج باكالوريوس و ماستر و دورات قصيرة في مجالات الصحة العامة و التنمية الدولية و تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات، و إدارة الأعمال، و إدارة النفط و الغاز.

جامعة يونيكاف: تأسست عام 2012 في أوروبا و تستهدف الطلاب في الدول الإفريقية. تتيح الجامعة للطلاب الدراسة عن بعد في الجامعات التي تربطها معها شراكات، و التي يوجد معظمها في أوروبا و أمريكا. تتوفر الجامعة على مراكز تعليم عن بعد في 12 دولة أفريقية.

 الجامعة التونسية الافتراضية: تأسست عام 2002 و تهدف إلى تأمين وتعميم التكوين عن بعد وكذلك الاستجابة إلى التحديات المتمثلة في تزايد عدد الطلبة من خلال القيام بعملية تخفيف تدريجي بالشعب ذات الأولوية في مؤسسات التكوين الحضوري حتى تبلغ نسبة 20% من محتوى الدروس.

الجامعة الافتراضية السنغالية: تأسست بمرسوم رئاسي عام 2013. يزيد عدد الطلاب حسب موقع الجامعة على 39 ألفا و عدد المدرسين على 300. توفر الجامعة 15 برنامج ليصانص في تخصصات متنوعة و 16 عشر برنامج ماستر و 2 برنامح ماستر مهني.

الجامعة الافتراضية في مالي: جامعة خصوصية تأسست نوفمبر 2019 و تهدف إلى إتاحة الفرصة للطلاب الماليين للدراسة عن بعد في جامعات عالمية في تخصصات متنوعة.

التجربة المغربية: أعلنت المغرب العام الماضي عزمها الدخول  في خضم تجربة جديدة في الجامعة الافتراضية ابتداء من السنة القادمة، والبداية ستكون في جامعتين وهما ابن طفيل في القنيطرة وابن زهر أكادير.

مراكز التعليم عن بعد

إضافة للجامعات الافتراضية، ظهرت تجارب مراكز التعليم عن بعد الملحقة بالجامعات. و في السياق الإفريقي، يمكن أن نذكر مركز "ويتس بلاس" التابع لجامعة ويتواترسراند بجنوب إفريقيا، و مركز التعليم عن بعد بجامعة أحمدو بلو في نيجيريا، و المدرسة الرقمية للتعليم الافتراضي المفتوح التابعة لجامعة كينياتا في كينيا. هذا بالإضافة إلى مراكز التعليم عن بعد التابعة للجامعة الافتراضية الإفريقية و إن كان حاجز اللغة يمنع الطلاب غير المتحدثين باللغات الأوروبية الثلاثة التي تعتمدها الجامعة الافتراضية الإفريقية من الاستفادة من برامجها.

منصات ال"مووك" (MOOC)

أما منصات ال"مووك" (MOOC) أو المساق الهائل المفتوح عبر الإنترنت فتقدم غالبا دورات قصيرة و تشهد إقبالا كبيرا. و تتميز بأنها غالبا مجانية و مفتوحة لعدد هائل من الطلاب، ففي إحدي الدورات على منصة كورسيرا، مثلا، سجل أزيد من 100 ألف طالب. و تشهد منصات عالمية مثل كورسير و يواداسيتي إقبالا من قبل الطلاب الأفارقة و إن كانت اللغة أحيانا تمثل حاجزا أمام الاستفادة من محتوى هذه الدورات. و في الوطن العربي ظهرت منصات مثل رواق و إدراك توفر محتوى عربيا، كما ظهرت محاولات أخرى في دول إفريقية مثل الجامعة النيجيرية الوطنية المفتوحة (NOUN) التي يزيد عدد طلابها على ربع المليون والتي بدأت منذ 2016 باعتماد تجربة ال"مووك" كما قامت بتوزيع أجهزة لوحية (تابليت) على طلابها.

ثاثا: أربع مقترحات للاستفادة من التعليم عن بعد في موريتانيا

         بناء على دراسة الواقع التعليمي و بخاصة التعليم العالي، و استئناسا بالتجارب السابقة في محيطنا الإفريقي و العربي، و نظرا لخصوصية سياقنا المحلي، نقدم فيما يلي أربع مقترحات، متعلقة بالتعليم عن بعد، نعتقد أن تبنيها قد يساهم في تخفيف الضغط عن الجامعات و معاهد التعليم العالي وسيعزز من فعالية المحتوى التعليمي المقدم و الرفع من مستويات الطلاب.

المجلس الوطني للتعليم عن بعد

نقترح إنشاء مجلس وطني للتعليم عن بعد يعمل بالتعاون مع وزارتي التعليم العالي و التعليم الثانوي، وتسند إليه جميع المهام المتعلقة بالتعليم عن بعد، بما في ذلك وضع برامج التعليم عن بعد والإشراف عليها و متابعتها و تكوين الأساتذة و المدرسين. توجد تجارب عالمية عديدة في هذا المجال يمكن الاستفادة منها مثل: مجلس التعليم عن بعد في الهند الذي أسس عام 1988 و المركز الوطني للتعليم الإلكتروني في السعودية و الديوان الوطني للتعليم و التكوين عن بعد في الجزائر.

يمكن إجمال الأهداف و المهام المسندة إلى المجلس الوطني للتعليم عن بعد في ما يلي:

تنظيم كل النواحي المتعلقة بالتعليم عن بعد في جامعة موريتانيا الافتراضية، و مراكز التعليم عن بعد و المنصات الإلكترونية المفتوحة

تطويرأنظمة إدارة التعلم (LMS) ملائمة للبيئة التعليمية الوطنية

الإشراف على المحتوى التعليمي المقدم

مرقبة جودة المحتوى

تصميم أساليب التقويم المناسبة للتعليم عن بعد

تدريب الأساتذة والمدرسين و المكونين على التعامل مع تكنولوجيا التعليم عن بعد 

وضع معايير الاعتماد

مراقبة البرامج المقدمة و النظر في مطابقتها لمعايير الاعتماد

جامعة موريتانيا الافتراضية

 نقترح إنشاء "جامعة موريتانيا الافتراضية" و أن تخضع لوصاية مزدوجة من المجلس الوطني للتعليم عن بعد و وزارة التعليم العالي. ستقدم الجامعة شهادات ليصانص و ماستر إضافة لإفادات التكوين القصير، على أن تركز على التخصصات المهنية و تبتعد عن التخصصات التي لا تتناسب و سوق العمل المحلي و الدولي. يمكن أن تستهدف هذه الجامعة الطلبة المتحصلين على معدلات متدنية في الباكالوريا، و المتحصلين على باكالوريا قديمة الراغبين في الحصول على شهادات جامعية مهنية تخولهم الحصول على وظيفة، والمنخرطين مسبقا في سوق العمل المهتمين بالتطوير المهني.

ستتيح هذه التجربة ميزة أخرى وهي إمكانية مشاركة الأساتذة و المهنيين و الخبراء الموريتانيين في الخارج الذين يتاح لهم نقل خبراتهم العالمية إلى المتلقي المحلي، بدون الحاجة إلى القدوم إلى الوطن، علما أن هناك مئات الخبرات الموريتانية في أوروبا و أمريكا و كندا و الخليج إضافة لبعض الدول الإفريقية و الآسيوية. و نقترح على الجامعة أن تفتح باب التطوع لمن يرغبون في تقديم خدماتهم بشكل تطوعي.

نقترح أن تركز الجامعة أيضا على إعداد الطلاب للاستفادة من فرص العمل على الانترنت بدلا من النظر فقط إلى السوق المحلية. و فيما يلي قائمة أمثلة ببعض التخصصات التي نرى أنها تلائم العمل على الإنترنت، مع أهمية غرس الروح الريادية في أذهان الطلاب و الأخذ في الاعتبار لأهمية اللغة الإنجليزية كشرط للاستفادة المعتبرة من هذه الفرص:

التسويق

البرمجة وتصميم المواقع

تطوير تطبيقات الموبايل

الترجمة

تصميم الجرافيك

إدخال البيانات

المونتاج و تحرير الفيديو

 خدمة العملاء

مراكز التعليم عن بعد

إلى جانب الجامعة الافتراضية، نقترح أيضا إنشاء مراكز تعليم عن بعد في مؤسسات التعليم العالي في البلد. من شأن هذه المراكز أن تساهم في تخفيف الضغط عن الجامعات و المعاهد، و أن تعزز مهارات الطلاب خصوصا إذا ما اعتمدت ما يعرف بالتعلم المختلط (Blended learning) بحيث يزاوجون بين الطرق التقليدية كالدراسة حضوريا وبين الوسائل التكنولوجية الحديثة بما فيها الدراسة عن بعد عن طريق المنصات الرقمية.

ستكون هذه المراكز أيضا فرصة للمغتربين الموريتانيين الراغبين في الدراسة في المؤسسات الوطنية إما لعجزهم عن تكاليف الدراسة في الدول التي يعيشون فيها أو لتفضيلهم للمؤسسات الوطنية لكي يحصلوا على شهادات جامعية من مؤسسات وطنية بدون الحاجة إلى السفر إلى الوطن. ينبغي أن تخضع هذه المراكز لإشراف و رقابة من طرف المجلس الوطني للتعليم عن بعد من أجل ضمان الجودة و التزامها بالمعايير المطلوبة.

منصات رقمية مفتوحة لدعم التعليم الثانوي

كما ذكرنا سابقا، تعد نسب النجاح في باكالوريا موريتانيا من أقل النسب مقارنة بدول الجوار. وإذا كان هناك من يعزو هذا إلى تعمد الجهات المعنية إبقاء نسب النجاح متدنية رغبة في تخفيف الضغط عن الطاقة الاستيعابية للجامعات و المعاهد العليا، إلا أننا نعتقد أنه يشي بتواضع مستويات الطلاب الواقفين على عتبة التعليم الجامعي، و هو ما يحتم التدخل من أجل التخفيف من هذا الوضع الكارثي.

في هذا الصدد، نقترح الاستفادة من تكنولوجيا التعليم عن بعد لتقوية مستويات طلاب الباكالوريا و رفع نسبة النجاح لتكون على الأقل في الحدود الموجودة عند دول الجوار. بشكل أخص، نرى أن تجربة ال"مووك" (MOOC) تصلح كوسيلة لتعميم التعليم و سد النقص لدى طلاب الباكالوريا من مختلف الشعب الأدبية و العلمية. بإمكان المنصة الواحدة أن تضم آلاف الطلاب و أن تتحول إلى فضاء تعليمي يساهم فيه الأساتذة و الطلاب. فبعض منصات ال"مووك" تعتمد منهجية يشارك من خلالها الطلاب في صناعة المحتوى التعليمي و تطويره و يصححون تمارين بعضهم البعض و يتفاعلون مع المادة المقدمة. ستوفر هذه المنصات، التي نقترح أن تكون بعدد شعب الباكالوريا، مقاطع فيديو و مذكرات مكتوبة قابلة للتحميل و منتديات للنقاش و التدارس الجماعي.

و على عكس ما يرى البعض، نعتقد أن هذه المنصات ستساهم في ردم الهوة التعليمية بين الفئات الاجتماعية الناتجة عن تفاوت المستويات الاقتصادية بشرط أن تتدخل الدولة لدعم الطلاب من الفئات المحتاجة بالأدوات و المعدات اللازمة. فلن يحتاج الطالب إلا إلى جهاز محمول (هاتف أو تابليت) و اتصال بالإنترنت لكي يتمكن من متابعة هذه الدروس. وقد اكتشفنا و نحن في أثناء إعداد هذه الورقة أن مجموعة من المهندسين الموريتانيين قد أطلقت بالفعل في الأسابيع الماضية منصة تعليمية رقمية (Guarrini) تستهدف طلاب الباكالوريا، و يقول أصحاب المشروع إنهم اضطروا لتسريع إطلاقه و توفيره بشكل مجاني نتيجة لتداعيات أزمة كورونا و الحاجة إلى تعويض الفراغ الدراسي الناتج عن إغلاق المدارس. وهذه مناسبة للإشادة بهذه المبادرة و دعوة الجهات المعنية إلى دعهمها و البناء عليها. كما أطقلت وزارة التعليم الثانوي في وقت لاحق منصة تعليمي  (TAALIMI) و هي منصة إلكترونية توفر المقرر المدرسي في صيغة بي دي أف و يمكن استخدامها كتطبيق على الهاتف، و مع الإشادة بالفكرة و تثمينها إلا أن بالإمكان تطويرها لتصبح تفاعلية أكثر من إخلال إشراك الطلاب و الأساتذة في إنعاشها و استخدام و سائط أخرى مثل الفيديو و إضافة تمارين تفاعلية.

خاتمة

في الأخير، ننوه إلى أن هذه المقترحات لا يمكن أن تكون بديلا عن الاستثمار الفعلي في تطوير البنية التحتية التعليمية و بناء مؤسسات تعليم عالي تعتمد معايير الجودة العالمية و تتوفر على ما يكفي من الفصول الدراسية و المكتبات و المختبرات و الفضاءات التعليمية، إضافة إلى الاهتمام بالكادر البشري، و اكتتاب عدد كاف من الأساتذة و المدرسين، و توفير فرص التكوين المستمر لهم و التطوير المهني. مع ذلك، نعتقد أن هذه المقترحات ستساهم في تحسين مخرجات التعليم العالي و تعزيز الوسائل المتوفرة لمؤسسات التعليم العالي.

كما ننبه أيضا إلى أن تطبيق هذه المقترحات مرهون بإيجاد بنية تحتية رقمية أهم عناصرها اتصال إنترنت سريع؛ فالمتوفر من إنترنت الهاتف في البلاد حتى الآن لا يتناسب و التعليم عن بعد الذي يتطلب أحيانا مؤتمرات فيديو، و تشغيل فيديوهات طويلة، و التفاعل مع المحتوى بشكل مباشر. كما يجب العمل أيضا على محو الأمية الرقمية بين المواطنين و الاستثمار في توفير المعدات و الأدوات الضرورية لنجاح التعليم عن بعد. 

سبت, 17/10/2020 - 13:06