طرحت سؤالا عفويا على صفحتي الشخصية على الفيس بوك أتساءل فيها عن التعلم عن بعد، خصوصا بعد فترة توقف عن التدريس طويلة نسبيا.
وكم كانت دهشتي لمحتوى التعليقات التي وردت ردا على التدوينة. كانت كلها تسفه من السؤال موضوع التدوينة. لقد انصبت جميعها في اتجاه واحد.
تعليقات، توضح وتنبئ عن ما آل إليه تعليمنا عن قرب - قبل أن يكون عن بعد - من انعدام لثقة الجميع فيه، وازدياد تلك القناعات يوما بعد يوم، بحال ومآل منظومتنا التعليمية الكارثي من طرف هؤلاء المعلقين وغيرهم، إنها عينات من نبض الشارع ونموذج حي منه، تصلح كدراسة إحصائية عليه، سيما إن علمت أنها تعليقات عفوية وبالذات من أصحاب الحقل الذين خبروه وأدركوا خباياه.
لم يعد أحد من هؤلاء ولا غيرهم، ينتظر مردودا يذكر من العمل التربوي، ويبدو أن الكثير منهم - للأسف - صلى عليه منذ فترة صلاة الجنازة، وصلى عليه البعض الآخر صلاة الغائب. أي أنهم جميعا وصلوا مرحلة اليأس من مردود هذا التعلم.
أما عن الحديث عن التعلم عن بعد، فيبدو نوعا من الفضول.
إن الثقة في نظامنا التعليمي ومردوديته وصلت - للأسف- للحضيض بل والعدمية.
وإذا كان هذا شعور من ينتمون لهذا الحقل، ويكدحون داخله، ويشرف عليه، ويعايش واقعه، فما بالك بالآخرين؟
الذين يتابعونه عن بعد، وينتظرون منه مخرجات على مستوى التحديات، وهو مالم يتسن ملاحظته ورؤيته للكثير من هؤلاء، اللهم ما كان لجماعة محدودة، استثمرت في أبنائها من الجهود والامكانات، ما لايتاح لأي كان.
وعلى كل حال، فللأخيرين الحق في استرداد بعض ريع تلك الجهود.
وهو ما يتنافى والتوجهات الرسمية، التي نسمعها بين الحين والآخر، من سعي لإرساء مدرسة جمهورية ينعم فيها جميع أبناء الوطن، بقدرات بلدهم بالتساوي، وإتاحة نفس الظروف لهم جميعا في آن.
ليكون الفارق هذه المرة فقط، في ما حبا الله به البعض من قدرات عقلية ومثابرة يتفاوتون فيها حسب الوراثة والبيئة، مما لايمكن التحكم فيه.
إن بلدنا بحاجة إلى مراجعات كبرى وشاملة لمنظومته التربوية القائمة بإشراف من السلطات السياسية الحاكمة، تتمثل في تنظيم منتديات وورشات لهذا المرفق الحيوي، يتنادى لها جميع من تربطه صلة من قريب او بعيد بهذا القطاع، لتكون مخرجاته في النهاية على قدر التحدي.
على أن يصاحب ذلك التزام مسبق بتنفيذ مخرجات هذه الأيام التشاورية، حتى لايكون مصيرها كسابقتها.
ونخرج بذلك منظومتنا من هذا الوحل الذي علقت فيه من أخمص القدمين حتى الودجين وحدً من فاعليتها.
ونسعى بذلك لاسترجاع تلك الثقة المفقودة من جديد لهذا القطاع شيئا فشيئا، بدء من المشرفين عليه، مرورا بالمستفيدين منه، وصولا للشركاء والممولين الدوليين، تلك الثقة الضرورية لفاعلية أي عملية يراد لها أن تنفع الناس وتمكث في الأرض.
ليبقى السؤال الكبير المطروح؛
متى تحين تلك اللحظة التي يسترجع فيها الجميع الثقة في منظومتنا التربوية؟