العشرية الضائعة (الجزء الأول)

موسى افال

في 6 أغسطس 2008جاء الانقلاب العسكري الذي قام به الجنرال محمد ولد عبد العزيز ليضع حدا لمسلسل ديمقراطي بدأ 15 شهرا قبل ذلك بوصول رئيس مدني للسلطة، على إثر انتخابات هي الأكثر شفافية في تاريخ البلاد منذ استقلالها.

وحسب بعض المحللين، فإنه يمكن تفسير السهولة التي فرض بها هذا الانقلاب نفسه – رغم المقاومة المعتبرة التي قامت بها آنذاك المعارضة المنتظمة في إطار الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية –بالمستوى الذي لا يزال ضعيفا للطلب الحقيقي على الديمقراطية لدى المواطنين.

إن لم يكن الأمر كذلك، فكيف يمكن أن نفهم ردة فعل الشعوب في تركيا وفي بلدان عديدة أخرى (بما فيها غرب إفريقيا) ضد الانقلابات، حيث هبت هذه الشعوب للدفاع عن مكتسباتها الديمقراطية، بينما ساند الانقلابين في موريتانيا رجال أعمال ومنتخبون، وحتى بعض من أهم أحزاب المعارضة،

قناعة من بعضهم بتصريحات هؤلاء.

وكيف نفهم كذلك موقف المجموعة الدولية، ما بين التسليم والمساندة، إلا من خلال التراتبية التي جعلتها تقدم اهتماماتها الآنية المتعلقة بمكافحة الإرهاب والهجرة إلى أوروبا على متطلبات الديمقراطية والحكامة الرشيدة.

بعد أن قدم العديد من الوعود البراقة في خطاباته، التي زاوجت بين الدماغوجية والشعبوية، فإن منفذ انقلاب 2008، الذي نصب نفسه رئيسا للجمهورية في 2009 عبر انتخابات رفضت المعارضة نتائجها، قد وجد الوقت الكافي لتنفيذ التعهدات التي التزم بها خلال حملته، والمتمثلة في مكافحة الرشوة، والقضاء على الفقر من طرف من أطلق على نفسه لقب "رئيس الفقراء"، وتجديد الطبقة السياسية، الخ. وكما سنرى، لقد تنكر لكل هذه الوعود واحدا تلو الآخر، ليظهر أن الأهداف الحقيقية لانقلابه ليست سوى حب السلطة والثراء الشخصي والأسري.

واليوم، وقبل سنة من نهاية مأموريته الثانية والأخيرة، وعشية استحقاقات حاسمة لتجديد الجمعية الوطنية وانتخاب رئيس جديد، فإن تقييم حصيلة هذه الفترة سيكون في صميم النقاش الذي سيطبع الحملات الانتخابية، خاصة أن رئيس الدولة الحالي قد أكد علنا عزمه على استمرار "نفس النهج"،والعمل على بقاء نفس النظام حتى ما بعد 2019.

إن الهدف من إعداد هذه الوثيقة هو تقديم حصيلة للسياسات المتبعة من طرف السلطة الحالية، عن طريق إحصاء الموارد التي حصل عليها البلد خلال هذه الفترة، وتحليل أوجه صرفها، والنتائج التي تم الحصول عليها.

إن هذه المساهمة تأتي في هذا السياق، وستتمحور حول ستة أجزاء:

الجزء الأول يتعلق بتأثيرات انقلاب أغسطس على الحياة السياسية في البلد.

الجزء الثاني يقدم حصيلة بالأرقام حول الاقتصاد الوطني من 2009 إلى 2017.

وهذه الأرقام مأخوذة كلها، إما من الوثائق الرسمية للدولة، وإما من المؤسسات الدولية.

الجزء الثالث مكرس للخيارات المالية للدولة، وتوزيع موارد البلد والنتائج المحصول عليها مقارنة مع التعهدات والوعود.

الجزء الرابع يتعرض بصفة خاصة لما يسمى مجازا ب"الانجازات".

الجزء الخامس يقدم تقييم موريتانيا على أساس المعايير الدولية للحكامة.

الجزء السادس والأخير يستعرض وضعية موريتانيا لو أنها كانت قد حظيت بحكم رشيد.

الجزء الأول

انقلاب 2008 وقيام دولة اللا قانون

لقد جاء انقلاب 6 أغسطس 2008 ليضع حدا لتجربة ديمقراطية كانت تبشر بآفاق جد واعدة بالنسبة للبلد.

وكانت الوثائق المؤسسة لهذه التجربة الديمقراطية قد تم وضعها بصورة محكمة من طرف حكومة المرحلة الانتقالية في الفترة 2005-2007 برئاسة المرحوم اعلي ولد محمد فال.خلال هذه الفترة الوجيزة،وتحت إشراف سلطات المرحلة الانتقالية، نظمت لجنة توافقية مستقلة للانتخابات، بدون أي تحيز وبشفافية تامة، الاستحقاقات الانتخابية، وخاصة الانتخابات الرئاسية في سنة 2007.

لقد احترمت سلطات المرحلة الانتقالية تعهداتها، وسلمت السلطة على إثر هذه الانتخابات لرئيس منتخب بصورة ديمقراطية، مما شكل حدثا هاما، كان من المفروض أن يدشن عهدا جديدا بالنسبة للبلد.

فور انتخابه، باشر الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله بتنفيذ إصلاحات مبتكرة تصب في اتجاه تحسين نوعية الحكامة في البلد، طبقا للتعهدات التي التزم بها أثناء جملته الانتخابية. وقد تم تشكيل فريق حكومي مع وزير أول ووزراء يتمتعون بكامل صلاحياتهم، ولكل منهم هامش تصرف واسع، على أساس رسائل تكليف محددة.

وقد أصبحت المؤسسات تمارس مهامها بصورة مستقلة وفي احترام تام. وعلى الخصوص، كان البرلمان ذا طابع تعددي، حيث كانت تتواجد تحت قبته بصورة معتبرة كل الأحزاب الحاضرة على الساحة السياسية. وكانت مداولاته تتابع باهتمام من طرف مشاهدي التلفزيون نظرا لنوعيتها ومستوى النواب والشيوخ.

وقد حدث تقدم ملحوظ على جبهة الوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية، حيث تم إعداد القانون المجرم للعبودية عن طريق التشاور، وتمت المصادقة عليه وإصداره. كما تم تنظيم عودة اللاجئين في ظروف مرضية.

لقد أنشأت مفوضية مكلفة بترقية الاستثمار، كما بدأت مشاورات مع القطاع الخاص من أجل خلق بيئة ملائمة لممارسة الأعمال في البلد.

وقد أعرب جميع الشركاء في التنمية عن استعدادهم لتشجيع ودعم نجاح التجربة الديمقراطية في البلد. وقد طبع هذا الاستعداد أشغال الطاولة المستدير المنظمة في ديسمبر 2007 في باريس من أجل تعبئة التمويلات لصالح برنامج الاستثمارات الوطنية.

هذه التجربة غير المسبوقة، على الرغم مما طبع بداياتها من نقائص، كانت تطمح إلى دفع البلاد على طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الحقيقية، وعلى طريق الديمقراطية الحقة، واضعة في الأفق تنظيم انتخابات شفافة تمكن من تناوب سلمي على السلطة.

للأسف، جرت هذه التجربة في مناخ غير ملائم، يطبعه ارتفاع مذهل لأسعار المواد الأساسية لدى الاستيراد، وهشاسة القاعدة السياسية للنظام مع وجود أغلبية غامضة وغير متجانسة آنذاك، إضافة إلى عدم التحكم في القوات المسلحة وقوات الأمن.

لقد تم استغلال هذه الثغرات من أجل إثارة تمرد لزعزعة النظام انتهى بانقلاب أغسطس 2008، الذي تمت على إثره عودة النظام الاستبدادي لحكم البلاد، كمتحكم في إدارة البلد. وبما أن لكل نظام طريقته في الحكم، فقد حلت سلطة الفرد محل احترام القانون والتشاور واحترام فصل السلطات. وحلت الارتجالية محل التفكير والتخطيط، وحل التعسف محل التبصر. لقد أخضعت الإدارات والمؤسسات للوصاية، ولم تنج منظمة أرباب العمل من ذلك، وتم خرق التوازن بين السلطات، وتم تكميم الحريات. أما النتائج الاقتصادية والاجتماعية لهذا النوع من الأحكام فسنتعرض لها في الأجزاء التالية، بينما سنكتفي في هذا الجزء بنتائجها السياسية.

لقد أودع الرئيس المنتخب في السجن، وكرد فعل على الانقلاب نظمت المعارضة المنتظمة في الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية(FNDD) تظاهرات تم قمعها بوحشية. وكانت تلك بداية انفجار أزمة سياسية في البلد، وهي الأزمة التي لا تزال قائمة حتى الآن، بسبب استمرار الحكم التسلطي واحتقار رئيس الدولة للمعارضة الديمقراطية.

مع انقلاب أغسطس 2008 دخلت البلاد مرحلة جديدة من تاريخها، مرحلة اللا قانون، وهي المرحلة التي طبعها تراجع واضح للمسلسل الديمقراطي، وقيام حكم الفرد، والتجاهل المستمر للقانون. وسنكتفي، لإلقاء الضوء على هذه الحقيقة، بسرد بعض الأمثلة الملموسة والمعاشة يوميا، والتي تبرهن على مدى احتقار رئيس الدولة الحالي للقانون، ومدى عدم إقامته أي وزن لمؤسسات الجمهورية.

منذ هذا الانقلاب لم يتم احترام أي استحقاق انتخابي يتعلق بتجديد الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ والبلديات، رغم أن هذه المواعيد تحددها المادة 47 من الدستور بالنسبة للجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، والمادة 93 من الأمر القانوني 87-289 بتاريخ 20|10|87 بالنسبة للبلديات. هذه الانتخابات التي كان من الواجب تنظيمها في سنة 2011 قد تم تأجيلها إلى سنة 2013.وقد تم تمديد مأمورية الجمعية الوطنية من خلال مؤتمر برلماني منعقد بنواب قد انتهت مأموريتهم قبل ثلاثة أشهر، وبمجلس شيوخ انتهت مأمورية ثلثي أعضائه. وقد استمر مجلس الشيوخ في سن القوانين حتى تاريخ حله، رغم أن جميع أعضائه قد انتهت مأمورياتهم منذ فترة طويلة. أما المجالس البلدية فلم يتم تجديدها إلا بعد سنتين من انتهاء مأموريتها.

وفي ظل تمادي السلطة في رفض أي حوار جدي وذي مصداقية، تم تنظيم الانتخابات النيابية والبلدية لسنة 2013 في ظروف طبعها الانحياز الصارخ للإدارة وبعض جنرالات الجيش لمرشحي السلطة. وعليه، قاطعت أغلبية أحزاب المعارضة الديمقراطية هذه الانتخابات التي أفرزت أغلبية آلية، لا تلعب أي دور موازن في وجه السلطة التنفيذية. لقد أفرزت انتخابات 2013 برلمانا فاقدا لصفة التمثيل، ولا يحترم الرسالة التي يجب أن يضطلع بها تجاه الأمة، والمتمثلة في: حق تعديل السياسة المالية والمصادقة عليها، حق تعيين لجان التحقيق والرقابة على استخدام المال العام، حق تعيين فرق العمل، حق حجب الثقة عن الحكومة، الخ. إن دور البرلمان أساسي في حياة الأمة، وهذا الدور قد تم إلغاؤه عمليا خلال السنوات الأخيرة، مما شكل أحد أهم أسباب الانحراف الذي ذكرناه أعلاه.

لقد تمت مقاطعة الانتخابات الرئاسية لسنة 2014 من طرف كافة مكونات المعارضة الديمقراطية لنفس الأسباب التي جعلتها تقاطع الانتخابات النيابية لسنة 2013. إن غياب أي مرشح من المعارضة الديمقراطية يفسر النسبة الفلكية التي حصل عليها رئيس الدولة الحالي (81,89%). ولم تمنع عمليات حشو صناديق الاقتراع التي قيم بها، خاصة في داخل البلاد، من ظهور حجم المقاطعة التي دعت لها المعارضة، حيث أن نسبة المشاركة المعلنة من طرف السلطة لم تتجاوز 54%.

وكما تم الاعتداء على السلطة التشريعية، تم تدجين السلطة القضائية وتم الالتفاف على استقلاليتها. والأسوأ من ذلك هو أنها تحولت إلى أداة في يد السلطة التنفيذية لتصفية حساباتها السياسية والاقتصادية.

الأمر القانوني 2007|12 بتاريخ 8|2|07 المتضمن تنظيم العدالة ينص في مادته 18 على أن "رئيس المحكمة العليا (المعين لمأمورية من 5 سنوات) لا يمكن تعليقه أو إنهاء مهامه قبل النهاية العادية لمأموريتهإلا حسب الإجراءات المتبعة لتعيينه، بناء على طلبه أو بسبب عجزه الجسمي، أو بسبب فقده لحقوقه المدنية والسياسية، أو بسبب إخلاله بمتطلبات أو شرف أو كرامة الوظيفة". هذه المؤسسة التي تعتبر قمة هرم السلطة القضائية عرفت 4 رؤساء في ظرف 7 سنوات، طبعا دون أن يكمل أي منهم مأموريته. ولا زلنا نتذكر أن أحدهم، عندما اعترض وقتها على إقالته، قد أخرجته الشرطة بالقوة من مكتبه.

المادة 2 من القانون 2007-054 المتعلق بالشفافية المالية تنص على ما يلي: "يقدم رئيس الجمهورية لدى تنصيبه ولدى انتهاء مأموريته تصريحا بممتلكاته الشخصية وآخر بممتلكات أطفاله القصر، ويتم نشر كل من هاذين التصريحين". حتى اليوم، لا زال رئيس الدولة يرفض تقديم ونشر هاذين التصريحين اللذين ينص القانون بشكل صريح على وجوبهما، وذلك رغم مطالبته المتكررة من طرف المعارضة والمجتمع المدني وقطاعات واسعة من الرأي العام الوطني، مما يثير الريبة حول حجم ومصدر ما اكتسبه من ممتلكات منذ توليه للسلطة. بل إنه ألغى فعليا هذا القانون الذي ينص على وجوب تصريح كل المتصرفين في المال العام بممتلكاتهم لدى استلامهم لوظائفهم ولدى مغادرتها، تاركا الحبل على الغارب لسوء التسيير والفساد. وفعلا، منذ قيام هذه السلطة، واقتداء برئيس الدولة الحالي، لم يقم أي من المسئولين المشمولين بهذا القانون بالتصريح بممتلكاته.

القانون 2010-044 بتاريخ 22\7\10 المتضمن مدونة الصفقات العمومية يتم خرقه يوميا بقرارات تمنح صفقات بالتراضي لأشغال ممولة من الموارد الذاتية للدولة (الأشغال المتعلقة بتحضير القمتين العربية والإفريقية، الطرق الحضرية، ومقاطع الطرق الوطنية /نواكشوط-واد الناكه/، /نواكشوط-روصو/، الاستصلاح الزراعي، الخ).

على إثر الضجة التي أحدثتها الاتفاقية المريبة المبرمة سنة 2010 مع شركة الصيد الصينية |بولي هوتغ دونغ|، سحب مجال الاتفاقيات التي كان يخضع التصديق عليها لسلطة القانون من صلاحيات البرلمان، وصارت من اختصاص رئيس الدولة وحده. وتشمل هذه الاتفاقيات تلك المتعلقة بعقود رخص البحث عن الثروات المعدنية واستغلالها، وكذلك رخص استغلال الثروة السمكية، وهو ما يعني أن رئيس الدولة أصبح من يتصرف وحده بدون رقيب في خيرات البلد.

المادة 12 من الأمر القانوني 024-2007 بتاريخ 9|4|07 المتضمن نظام المعارضة الديمقراطية المعدل بالقانون 2012-047 بتاريخ 22|7|12، الصادر خلال الفترة الانتقالية، تنص على ما يلي: "يقوم رئيس الجمهورية والوزير الأول باستشارة رئيس المعارضة الديمقراطية كلما دعت الحاجة حول المشاكل الوطنية وحول القضايا الأساسية التي تعني حياة الأمة. وفي كل الأحوال، ومن أجل تسهيل الحوار بين المعارضة والحكومة، ينظم لقاء دوري كل ثلاثة أشهر". منذ وصول رئيس الدولة الحالي تم تعطيل هذا القانون رغم المطالبة المتكررة والملحة من طرف مؤسسة المعارضة الديمقراطية.

المادة 27 من الدستور تنص على أن "مأمورية رئيس الجمهورية تتعارض مع ممارسة أي وظيفة عمومية أو خصوصية، كما تتعارض مع الانتماء للهيئات القيادية لأي حزب". إن روح هذه المادة تهدف إلى تحاشي استغلال المنصب لصالح حزب ضد الأحزاب الأخرى. والواقع أن ما يحدث هو العكس تماما: رئيس الدولة يقود بصورة مباشرة حزبه الذي جعل منه "حزب الدولة"، ويستغل لصالحه الإدارة وسلطة ووسائل وموظفي الدولة. لقد أظهر تجديد الانتساب الأخير لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية (UPR) مدى ضلوع رئيس الدولة شخصيا في قيادة هذا الحزب وتسخيره لجهاز الدولة لصالحه، بمن في ذلك بعض الجنرالات الذين يقودون أسلاكا من القوات المسلحة وقوات الأمن، حيث تراهم يجمعون المنتسبين ويتنازعون مع غيرهم ولاء الوحدات القاعدية.

تنص المادة 50 من الدستور على أن "أي عضو في البرلمان لا تمكن متابعته أو البحث عنه أو توقيفه أو احتجازه أو محاكمته بموجب الآراء التي يدلي بها أو التصويت الذي يقوم به في إطار ممارسة مهامه". اليوم هناك شيخ، هو محمد ولد غده، تم توقيفه وإيداعه للسجن بتاريخ 10 أغسطس 2017 في الوقت الذي ما زال يتمتع بحصانته البرلمانية. هناك شيخة، هي فرفورة منت باب، أطلقت ضدها مذكرة توقيف دولية في أغسطس 2017. كما أن هناك عدة شيوخ آخرين متابعين قضائيا. كل هؤلاء لا ذنب لهم سوى أنهم صوتوا ضد مشروع مقدم من طرف السلطة.ويشمل هذا الملف نقابيين وصحفيين ورجال أعمال، من بينهم محمد ولد بوعماتو، متابعين بسبب آرائهم ومواقفهم السياسية.

تنص المادة 5 من القانون 2012-018 على تخصيص وقت محدد في الإذاعة والتلفزيون العموميين للمعارضة. وحتى اليوم ترفض السلطة ولوج المعارضة لوسائل الإعلام العمومية رغم النص الصريح لهذا القانون، وأصبحت هذه الوسائل مكرسة لتمجيد رئيس الدولة والهجوم على المعارضة.

الأحزاب السياسية تتعرض نشاطاتها لمضايقات مخالفة للقانون: بينما ينص القانون على أن التظاهرات لا تحتاج إلى ترخيص، بل يكفي إشعار السلطات المختصة بموعدها ومكانها بمدة محددة قبل تنظيمها، أصبح النظام الحالي يخضع التظاهرات التي تنظمها الأحزاب المعترف بها للإذن والترخيص حسب هوى الحكام. بل انسحب هذا التعدي إلى الاجتماعات المنظمة في الأماكن المغلقة كالفنادق والصالات العمومية. بل إن بعد تظاهرات المعارضة الديمقراطية يتم قمعها بوحشية من طرف قوات الأمن.

المادة 99 من الدستور تنص على أنه لا يمكن تقديم أي مشروع لمراجعة الدستور للاستفتاء "إلا إذا صوت عليه ثلثا (2|3) أعضاء الجمعية الوطنية وثلثا (2|3) أعضاء مجلس الشيوخ". لقد أخضعت التعديلات الدستورية، كما ينص على ذلك الدستور، لتصويت الغرفتين. وقد رفضها مجلس الشيوخ بأغلبية ساحقة، الأمر الذي كان يجب أن يضع حدا لهذا المشروع، وأن يطوي ملف هذه التعديلات بصورة نهائية، طبقا لما ينص عليه الدستور بصورة صريحة. إلا أن السلطة ضربت صفحا بالشرعية، واعتمدت على المادة 38 من الدستور لتنظيم استفتاء 5 أغسطس 2017.

وكما فعل لاحقا في حملة تجديد حزبه، فقد انخرط رئيس الدولة نفسه بصورة متغطرسة في هذه الحملة. فلا يزال الجميع يتذكرون الخطاب الوقح الذي ألقاه في المهرجان الذي عقده في أرض المطار القديم بهذه المناسبة. كما يعلم الجميع أنه بناء على تعليماته المباشرة، تم استخدم المال العام لتمويل الحملة ونقل الناخبين وتسجيلهم وتأطيرهم، وغير ذلك من عمليات دعم مشروع السلطة. وتم تجنيد الموظفين السامين. وعلى مستوى الإدارة الإقليمية، لعب الولاة والحكام دور تعبئة الأعيان المحليين، مع إصدار أوامر واضحة لهم بالتصويت لصالح مشروع السلطة وفرض التزامات عليهم بالنتائج.

ورغم كل وسائل الترغيب، وخاصة الترهيب، التي بالغ النظام في استخدامها، قاطعت الأغلبية الساحقة من المواطنين هذا الاقتراع، لعدم شرعيته من جهة، ومن جهة أخرى، لعدم تقبل الشعب للتغييرات الواردة في مشروع السلطة. هذه المقاطعة الواسعة، التي شهد عليها الجميع، لم تمنع النظام من تقديم نتائج مزورة، وإعلان نجاح التعديلات الدستورية.

لقد تم تحويل إدارة البلد إلى أداة انتخابية وسياسية لتثبيت حكم رئيس الدولة. إن كل عمليات الاكتتاب والترقيات والتعيينات تتم على أسس انتخابية. كما يتم تجاهل القدرات والخبرات، لأن المطلوب أولا وقبل كل شيء، من الموظف هو الاندفاع إبان الحملات الانتخابية التي يقوم بها حزب السلطة، أو إبان تهيئة المهرجانات والزيارات التي ينظمها رئيس الدولة. والأسوأ من ذلك، هو أن بعض الإدارات، خاصة إدارة الضرائب، يتم تجنيدها واستخدامها ضد المعارضين.

وكخاتمة لهذا الجزء، فإن الوصول للسلطة عبر صناديق الاقتراع الذي ظهرت له بارقة أمل خلال الفترة ما بين أواخر 2005 وبداية 2008، لم يعد يلوح في الأفق، لأن انحياز الدولة ورفضها اتخاذ موقف الحياد الضروري لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة، يشكل عقبة حقيقية أمام التناوب الديمقراطي على السلطة. إن تسخير الدولة لصالح طرف سياسي معين يمسك بزمام السلطة يشكل السبب الحقيقي للأزمة السياسية المزمنة التي تعيشها البلاد منذ انقلاب أغسطس 2008. إن سد الباب أمام الولوج للسلطة بالطرق الديمقراطية يعرض البلاد لاضطرابات خطيرة في فترة تتعدد فيها المخاطر الداخلية والخارجية، المتمثلة في الإرهاب، والنزعات القبلية والخصوصية، وتنامي التطرف، وزيادة الفقر وما يرافق تلك العوامل من ظروف مشددة كالجفاف والارتفاع المذهل للأسعار.

يتواصل.....

اثنين, 30/07/2018 - 11:46