توفي الشاب أيمن (15 عاما) قبل أسبوع في مقر جمعية رياضية وثقافية بمدينة بوندي في ضاحية سين سان دوني (شمال باريس) بعد أن تلقى رصاصة قاتلة. وتم إيقاف شقيقين متهمين في القضية يبلغان من العمر 17 و27 عاما مطلع آذار/مارس. ويعد أيمن ثالث مراهق يُقتل في أقل من أسبوع في ضواحي باريس في إطار تصفية حسابات بين مجموعات شبابية.
فقبل بضعة أيام من هذه الحادثة، قتل مراهقان آخران وهما بنت وولد في منطقة إيسون (جنوب باريس)، بعد تعرضهما للطعن أثناء مشاجرات مختلفة بين شبان من مجموعات متخاصمة.
واعتبر المستشار في الوقاية بالمناطق الحضرية يزيد خرفي أنه "ليس من المفاجئ أن تأتي الأحداث الأكثر عنفا أثناء العطلة المدرسية، لأن الشباب افتقدوا الرعاية والإحاطة في سياق الإغلاق الحالي للنوادي الرياضية وبعض دور الشباب". وقال "إنهم وقبل كل شيء مراهقون يواجهون صعوبات ويعيشون في ظروف سيئة".
وأردف، يزيد خرفي، المنحرف أيام شبابه، والذي يجوب الأحياء الساخنة منذ 2012 للوقاية من العنف: "لا يوجد أي فضاء مفتوح ليلا في الأحياء، باستثناء مراكز الشرطة. وزاد حظر التجول في حدة ظاهرة الفراغ الحالية''، مضيفا: "حتى أنا وجدت نفسي ممنوعا من التنقل للقاء الشباب بسبب القيود المتعقلة بجائحة كورونا".
زيادة المواجهات بنسبة 25 بالمائة
وبعد سلسلة الأحداث الدامية التي هزت المنطقة الباريسية الأسبوع الماضي، اجتمعت وزارات الداخلية والعدل والتعليم بشكل عاجل الاثنين في1 آذار/مارس لأجل تقييم الوضع وبحث سبل مواجهة ظاهرة المجموعات الشبابية العنيفة.
وحسب وزارة الداخلية، فإن المواجهات بين هذه المجموعات في ارتفاع مطرد، إذ شهدت فرنسا 357 مشاجرة خلال 2020 مقابل 288 خلال سنة 2019. وقتل ثلاثة أشخاص وجرح 288 آخرون خلال مواجهات العام الجاري. وعلى المستوى الوطني، أحصت وزارة الداخلية وجود 74 مجموعة بينها 46 في المنطقة التي تديرها محافظة الشرطة بباريس والتي تضم مناطق سين سان دوني (شمال) وفال دو مارن (جنوب شرق) وهو دو سين (غرب).
وبالنسبة إلى المؤلف توما سوفادي، صاحب كتاب "رأس المالي الحربي، التنافس والتضامن بين شباب الأحياء" فإن هذه التقديرات أقل مما هو عليه الوضع على الأرض. وقال إن الشرطة "لا تسجل الأحداث الأكثر عنفا بما أن كثيرا من الضحايا لا يقدمون شكاوى خوفا من أعمال انتقام".
وحسب التحقيق فإن "نحو 10 بالمائة من الشباب الذين يقل عمرهم عن 30 عاما والقاطنين بحي حساس ينتمون إلى مجموعة شبابية". وتابع سوفادي: "تتألف هذه المجموعات من شباب يعرفون بعضهم منذ الصغر، عندما تتراوح أعمارهم بين سبعة وعشرة أعوام أحيانا. وفي فترة المراهقة، يراكمون الفشل المدرسي ومشاكل الاندماج المهني بالإضافة إلى نزاعات عائلية يحاولون الهروب منها. ويشكلون مجموعة ليشعروا بأنهم أكثر قوة ويجدون أنفسهم في صراعات مع المحيطين بهم بمن فيهم العاملون في المجال الاجتماعي".
وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في تأجيج الخلافات
ويقدر يزيد خرفي أن "هؤلاء الشباب يتجمعون للحصول على هوية تحميهم. فهم يعيشون في مناخ ينعدم فيه الأمن الاجتماعي، وينحدرون من عائلات تعيش أوضاعا صعبة في معظم الأحيان. لكنهم أيضا يعانون انعدام الأمن حتى داخل المجموعة التي ينتمون إليها لأن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في زيادة التهديدات ومن ثم المرور إلى المواجهات".
وأضاف خرفي: "في ظل التباعد الاجتماعي، أصبح تبادل الشتائم والسب أكثر سهولة. ولكن الشتائم على وسائل التواصل الاجتماعي تنتهي إلى أعمال عنف في الفضاء العام عندما يلتقون وجها لوجه".
ويشاطر توما سوفادي هذا الرأي معتبرا أن وسائل التواصل الاجتماعي سهلت تبادل العنف بين الجماعات من خلال مساهمتها في شحن الأجواء وتسريع نشر الأخبار ما يسهل تنظيم مواعيد لتنفيذ العقاب.
وتأخذ الحكومة دور وسائل التواصل على محمل الجد. وتخطط السلطات بالخصوص إلى إسناد مهمة معالجة الانحراف إلى جمعيات محلية بالتنسيق مع الشرطة والبلدية والمصالح التربوية تحت إشراف النيابة العامة. وسيكون الهدف من هذه الجمعيات مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي بالخصوص التي قد يستخدمها الشباب لتنسيق مواعيد المواجهات. ويتعلق الأمر بإجراءات في إطار خطة مكافحة العصابات التي أعلنتها وزارتا العدل والداخلية في بيان.
لكن توما سوفادي يعتبر أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في تسريع ظاهرة ثقافية بدأت أصلا في الانتشار إذ قال: "ثقافة العصابات المستوحاة من الولايات المتحدة تحولت إلى عادة سائدة. حتى أن الشركات المتعددة الجنسيات استلهمت منها لترويج منتوجاتها على غرار شركات الألبسة الرياضية التي استوحت من هذه الثقافة لبيع ألبسة موجهة إلى الشباب".
ويندد هذا المختص في العلوم الاجتماعية بالتطبيع مع "ثقافة العصابة" من قبل مغني "الراب" ومؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال عادات في التصرف واللباس وفي بعض الأحيان التسامح مع الأسلحة النارية.
نقص المربين على الميدان
وساعدت عدة ظواهر أخرى في تطور المجموعات والعنف الذي يرافق تصرفاتها خصوصا منذ ثمانينيات القرن الماضي، أي بتحول ترويج المخدرات إلى حرفة والتي كثيرا ما يتورط فيها الشباب، لكن أيضا بظهور صنف جديد يطلق عليه الباحث "الشبان الكبار في السن".
وقال "إنهم شبان بالغون تتراوح أعمارهم بين 20 و30 عاما ومازالوا يعيشون مع أوليائهم. الشبان الكبار في السن عالقون في هذه المجموعات منذ فترة المراهقة بسبب الهشاشة الاجتماعية السائدة، مع صعوبات في الحصول على عمل وسكن. إنهم يصبحون العقل المدبر لشبكات الإجرام ويؤثرون على من هم أصغر سنا ويحولونهم إلى محترفين في الانحراف ويمثلون نموذجا يقتدى به في ممارسة العنف بين الأصغر سنا".
بالموازاة مع ذلك، يتفق يزيد خرفي وتوما سوفادي على نقص الإمكانات المخصصة للوقاية الاجتماعية للشباب الذين يعانون صعوبات على أرض الواقع. ويتجلى ذلك في النقص الفادح في مربي الوقاية الاجتماعية الذين يتدخلون في الفضاء العام والذين نطلق عليهم "مربو الشارع".
بالرغم من ذلك، فإن سوفادي يقدر أن العامل في الحقل الاجتماعي يتحرك على الهامش إذ يقول: "لا يمكنه لوحده حل مشاكل المجتمع العميقة. يجب التساؤل عن البعد الاقتصادي المرتبط باستهلاك وترويج المخدرات، معضلة البطالة والأوضاع الهشة للسكان والتصاعد القوي لثقافة العصابات في مجتمعنا".
وينص المخطط الحكومي للتصدي للمجموعات والذي من المفترض المصادقة عليه في مطلع أيار/مايو على إجراءات تتمركز بالأساس حول تعزيز الأمن ومتابعة الشبان القضائية بالإضافة إلى بعض الجوانب المخصصة للوقاية الاجتماعية ومنها متابعة التغيب المدرسي ووعود بتعزيز الوساطة بين الأحياء، وفق ما أعلنت السلطات التنفيذية دون إعطاء تفاصيل بشأن الإمكانيات المرصودة إلى حد الآن.
فرانس 24