مالي: حرب نفوذ جديدة بين فرنسا وروسيا

متظاهرون يرفعون العلم الروسي في باماكو (المصدر: الانترنت)

يعيد الجدل الدائر حول نشر القوات شبه العسكرية الروسية في مالي إحياء ذكريات قديمة لباماكو التي عملت في السابق عن كثب مع موسكو، وهو ما تنظر إليه فرنسا بريبة.

 

"لا يمكن التوفيق بين الوجود العسكري الروسي والفرنسي على الإطلاق"، يقول وزير الخارجية جان إيف لودريان تعليقا على إمكانية إبرام اتفاق بين مالي ومجموعة فاجنر الروسية شبه العسكرية لنشر مرتزقة في البلاد.

 

فبحسب وكالة رويترز، هناك عقد وشيك بين الميليشيات المقربة من فلاديمير بوتين والمجلس العسكري المالي لنشر عدة مئات من الأفراد الروس لتدريب الجنود الماليين وضمان حماية بعض كبار القادة.

 

التقارب المحتمل بين روسيا ومالي يذكرنا بالتعاون الأمني ​​والاقتصادي الوثيق الذي نشأ بين البلدين خلال فترة الاتحاد السوفيتي، وهو موضوع حساس لباريس وموسكو يعيد إحياء التوترات التاريخية.

 

الاتحاد السوفياتي "حلم مالي قديم"

في 23 أكتوبر 2019، اجتمع أكثر من أربعين رئيس دولة أفريقية في سوتشي لحضور القمة الروسية الأفريقية. حدث تاريخي يعتزم من خلاله فلاديمير بوتين إضفاء الطابع الرسمي على إعادة حضور روسيا في القارة الأفريقية. كان الرئيس المالي المخلوع إبراهيم بوبكر كيتا وطالب الرئيس الروسي فلاديمير بمساندة بلاده في الحرب على الإرهاب.

 

مالي الغارقة منذ عام 2012 في معركة لا نهاية لها ضد "الجهاديين"، وشهدت البلاد تدهورًا في وضعها الأمني ​​لعدة سنوات على الرغم من عملية برخان الدولية لمكافحة الإرهاب بقيادة فرنسا في منطقة الساحل. من حين لآخر تندلع مظاهرات للمطالبة برحيل القوات الفرنسية. وهي مظاهرات ترتفع فيها أحيانا الأعلام الروسية.

 

يقول نياجالي باجايوكو، دكتور في العلوم السياسية، متخصص في القضايا الأمنية في إفريقيا الناطقة بالفرنسية: "هناك حلم مالي قديم؛ يُلَوِّح به حاليًا ما يسمى بالتيارات الوطنية، وهو رؤية البلاد تنفصل عن فرنسا لتتبنى التعاون مع موسكو".

 

"هذه الرغبة ترتبط بتخيّل عودة التعاون الذي أقامه الرئيس الراحل موديبو كيتا مع الاتحاد السوفياتي والكتلة السوفيتية ولا سيما على المستوى العسكري والذي اتبعه فيه خليفته موسى تراوري. كما أن فرنسا لا تنفك تقول إنّ روسيا تريد أن تحل محلها في مالي.

 

إعادة الارتباط الروسي

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 أعادت روسيا المدمرة التركيز على نفسها. خلال العقد التالي ركزت على مجال نفوذها المتميز الذي تشكله دول الكتلة السوفيتية السابقة. ولكن اعتبارًا من عام 2012 عندما كانت مالي تخوض الحرب ضد الجهاديين الذين سيطروا على الشمال، بذلت باماكو قصارى جهدها لتجديد تحالف عسكري تدريجي مع موسكو.

 

وقّعت الحكومة أولاً اتفاقية مع شركة تصدير الأسلحة الروسية Rosoboronexport لشراء 3000 بندقية هجومية من طراز كلاشينكوف مقابل ما يقرب من مليون يورو. فيما بدأت باماكو مفاوضات أعمق من أجل تجديد بعض معداتها العسكرية الروسية التي حصلت عليها خلال الحقبة السوفيتية.

 

في عام 2016 عقب زيارة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف إلى مالي تبرّعت موسكو بطائرتين مروحيتين للجيش المالي على أن "يتبع ذلك معدات أخرى". في يونيو 2019، أبرم الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا اتفاقية دفاع عسكري مع روسيا.

 

وعلق وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو، على أن "تكثيف العلاقات العسكرية يصب في مصلحة البلدين"، مؤكدا أن موسكو ترغب في المساهمة في "تهيئة الظروف لسلام واستقرار دائمين".

 

التوترات مع فرنسا

لكنّ فرنسا تنظر بشك لعودة روسيا إلى مالي. لكن بالنسبة إلى جان إيف لودريان؛ فإن المناقشات حول نشر القوات شبه العسكرية الروسية اليوم تشكل خطاً أحمر: "فاغنر ميليشيا تميزت في الماضي في سوريا وفي جمهورية إفريقيا الوسطى بالابتزاز والانتهاكات بكل أنواعها التي لا تتفق مع أي حل"، كما قال وزير الخارجية الفرنسي ملوحا بالانسحاب العسكري الفرنسي من مالي.

 

"لكنّ الطغمة العسكرية في مالي تعتبر هذه الخطوة بمثابة ضربة رئيسية تسمح باستمالة جزء من الرأي وتأكيد استقلالية القرار، في سياق تستعد فيه فرنسا للتخفيض التدريجي لأفرادها العسكريين لذلك يلعب الماليون على التنافس الفرنسي الروسي. ومع ذلك أعتقد أن هذه الاستراتيجية لها حدودها لأن روسيا ليس لديها مصلحة في محاربة الإرهابيين في منطقة الساحل"، يقول نياجالي باجايوكو.

 

تحليل تشاركه أناستاسيا شابوتشكينا إذ تقول: "تمثل إفريقيا شريكًا هامشيًا لروسيا ولا يرغب فلاديمير بوتين في تكرار أخطاء الماضي. بإرسال الميليشيات إلى إفريقيا الناطقة بالفرنسية يريد قبل كل شيء إظهار الإزعاج حتى لا تتدخل فرنسا في شؤونها الداخلية. ولهذا تستخدم روسيا مجموعة مثل فاجنر، يسيطر عليها الكرملين، ولكن ليس لها وجود قانوني ولا تمثل أي التزام من جانب السلطة. إنها مجموعة من حق الغرب أن يحذر منها لأنها مافيا مدفوعة بالجشع وسجلها في محاربة الإرهاب مشكوك فيه للغاية ".

 

وتنفي روسيا أي تدخل في المحادثات الجارية بين السلطات المالية ومجموعة فاجنر: "لا يوجد ممثل للقوات المسلحة الروسية هناك ولا توجد مفاوضات رسمية جارية" كما أعلن في 16 سبتمبر دميتري بيسكوف المتحدث الرسمي باسم الرئيس بوتين.

ترجمة الصحراء

لمطالعة الأصل اضغط هنا

سبت, 18/09/2021 - 10:48