المرأة المناضلة في فوهة المدفع

سعيد الشهابي

برغم ما يقال عن التطور في مجال حقوق المرأة ما يزال مشوار الاصلاح مستمرا حتى في البلدان «الديمقراطية» التي طالما تباهت بانجازاتها في هذا المجال. وكما تراجع الغربيون عن دعم الديمقراطية والمناضلين من اجلها في العالم العربي خصوصا في الدول الخليجية الحليفة، وعن الدفاع عن حقوق الانسان في تلك البلدان، فان اضطهاد المرأة في هذه البلدان لم يحظ باهتمام حكومات «العالم الحر».
وقد يعتقد البعض ان وجود امرأة على رأس حكومات بعض الدول الاوروبية سيؤدي إلى تضامن اوسع مع المرأة المضطهدة في الدول المذكورة، ولكن التجربة تؤكد عدم واقعية ذلك الاعتقاد. فوجود السيدة تيريزا ماي على رأس الحكومة البريطانية والسيدة انجيلا ميركل في ألمانيا لم يساهم في الدفاع عن المرأة المضطهدة سواء في السعودية ام البحرين، وهما البلدان اللذان تعاني المرأة فيهما اضطهادا سياسيا وقمعا شمل التعذيب واحكام الاعدام. بل ان سياسات احدى هاتين المسؤولتين ك مخالف لذلك تماما. فقد تصدت حكومتها لدعم اجهزة الامن في البلدين الخليجيين المذكورين والدفاع عن ملفيهما الحقوقيين وتوفير دعم سياسي وعسكري لهما غير مسبوق.
وفي السابق ساد الاعتقاد بان القمع السلطوي لن يستهدف المرأة الخليجية لأن هناك ثقافة واعرافا وقيما دينية تردع الحكام عن ذلك. ولكن تجربة العقود الثلاثة الاخيرة اظهرت عكس ذلك. فالمرأة في بعض البلدان الخليجية اعتقلت وعذبت وتعرضت للانتقام بالطرد من الوظيفة او اعتقال الابناء والازواج. وفي السنوات الاخيرة تعرضت للتعذيب الشرس الذي شمل التحرش الجنسي والاغتصاب. وهناك افادات صريحة بذلك من عدد من اللاتي تعرضن لذلك. وصدرت تقارير وادانات دولية ضد اضطهاد المرأة وحرمانها، كما هو الرجل، من الحقوق المدنية والسياسية. صحيح ان المرأة الغربية هي الاخرى تعاني حياة قاسية ومعاملة غير لائقة ولكنها ليست مستهدفة سياسيا ولم تتعرض للاعتقال بسبب موقفها او رأيها او حراكها السياسي. المرأة الغربية تعاني من تحويلها إلى سلعة تجارية وتعريضها لاوضاع اقتصادية منهكة بسبب التراخي السياسي ازاء مفهوم الاسرة وتصاعد ظاهرة الاستغلال الجنسي للمرأة وغياب القوانين التي تفرض على الرجل إعالة الزوجة والاطفال إذا انفصل عن العائلة.
ان مشاكل المرأة ليست محصورة بحقها السياسي فحسب، بل انها تعاني من الموروثات الثقافية والاجتماعية التي تفرض عليها قيودا تتحول مع الوقت إلى اعراف تفوق في قداستها لدى العامة الاحكام الشرعية. ومن القضايا التي تشغل بال الكثيرات ما يسمى «الطلاق بالثلاث». انها مسألة فقهية تعتقدها بعض المذاهب الإسلامية، اذ يكفي ان يتفوه الرجل بكلمة «طالق» ثلاث مرات ليتحقق الطلاق. بينما الامر ليس كذلك لدى مدارس فقهية اخرى. هذه الظاهرة دفعت المسلمات في الهند للاحتجاج والمطالبة بالغاء ذلك، وقد تحقق لهن شيء منه. ففي الاسبوع الماضي قضت المحكمة العليا بالهند بعدم دستورية قانون الطلاق المتبع لدى المسلمين في البلاد، الذي يسمح للزوج بتطليق زوجته طلاقا بائنا إذا طلقها ثلاث مرات في جلسة واحدة. ويمثل هذا الحكم انتصارا تاريخيا للمسلمات اللائي يجادلن منذ فترة طويلة بأن القانون المطبق ينتهك حقوقهن. في حين تقول مسلمات إنهن يعانين العوز بعد أن طلقهن أزواجهن بمجرد قول «أنت طالق بالثلاث» حتى عبر تطبيقي واتساب وسكايب. 
ولا تأخذ الكثير من الدول الإسلامية، ومن بينها باكستان المجاورة، بهذا الرأي، وتعتبر الطلاق بالثلاث طلقة واحدة. وبموجب الحكم، يتعين الآن على الحكومة سن تشريع جديد للطلاق ليحل محل الممارسة التي ألغيت. الديمقراطية الهندية ادت لهذا التغيير بعد جهود من الناشطات المسلمات. هذه الديمقراطية دفعت رئيس الوزراء الحالي، نياندرا مودي، لاطلاق مبادرة لتطوير اداء المسلمات الهنديات وتأهيلهن لخوض الحياة بمهارات مناسبة. فالتنمية السياسية والاقتصادية تدفع المرأة للمشاركة بمستويات اعلى في قضايا بلدانهن، في مجالات السياسة والتنمية البشرية والاقتصادية. اما التركيز على قضايا النقاب والخمار والحجاب وتجاهل المشاريع الحقيقية لتنمية المرأة فهو انعكاس لتخلف سياسي واضطهاد بسبب استمرار الديكتاتورية والاستبداد. هنا لا يراد للمرأة او الرجل المشاركة في البحث عن سبل التنمية والعدالة الاجتماعية وتنمية المهارات وتأهيل المرأة للشراكة الحقيقية في مجالات السياسة والمجتمع والاقتصاد. ولذلك فالسجال العقيم في بعض العواصم العربية والغربية انما يهدف لابقاء دور المرأة في الحياة العامة هامشيا وبعيدا عن التأثير في مسيرة التنمية، وإبعادها عن الدور الريادي الذي مارسته خلال ثورات الربيع العربي. وقبل اسبوع قال مودي في خطابه عبر الراديو: «ان النماء الاقتصادي لن يكتمل بدون تحول اجتماعي. فقد أقر قانون الطلاق بالثلاث من قبل مجلس العموم ولكنه تعثر في المجلس الاعلى. واود ان اطمئن النساء المسلمات ان البلاد كلها تقف معهن لمنحهن عدالة اجتماعية». واذا قورن وضع المرأة المسلمة في الهند بالمرأة الفلسطينية اتضح مدى الظلم الذي تتعرض له حين تعيش في ظل نظام احتلال غاصب يعتبر المرأة معوقا لطموحاته وعدوانه لأنها تنتج اجيالا تقاوم الاحتلال وترفض الاستسلام.
في الشهر الماضي طلب الادعاء العام في السعودية من المحكمة إصدار حكم الاعدام بحق ناشطة شاركت في الحراك السلمي قبل بضع سنوات للمطالبة بالاصلاح السياسي في المملكة. وكان رد فعل العالم الحقوقي واسعا، ولكن ليس من المعلوم ما إذا كان سيؤدي لمنع صدور حكم الاعدام وتنفيذه. السيدة إسراء الغمغام ناشطة حقوقية وسياسية كانت قد شاركت في بعض المسيرات التي خرجت في المنطقة الشرقية في ذروة الربيع العربي في 2011، وفي ديسمبر 2015 اعتقلت مع زوجها موسى الهاشم وعذبت وتعرضت لابشع اشكال التنكيل. ومن بين التهم التي وجهت إلى الغمغام التحريض على التظاهر ورفع شعارات مناهضة للحكومة للتأثير في الرأي العام، ونشر صور المسيرات التي كانت تصورها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والعمل على تشجيع المتظاهرين آنذاك. وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش نقلاً عن نشطاء حقوقيين سعوديين، «إن الغمغام التي قد تواجه عقوبة الإعدام، ستكون أول امرأة سعودية يحكم عليها بالعقوبة القصوى بسبب نشاطها الحقوقي، وسيكون ذلك سابقة خطيرة وتهديداً للناشطات المسجونات حالياً اللواتي ينتظرن صدور الحكم بحقهن».وانتقدت المنظمة المحكمة الجزائية المتخصصة في قضايا الإرهاب، وقالت بأنها تستخدم «لمقاضاة المعارضين السلميين بدلا من الإرهابيين». كما أشارت إلى إعدام رجل الدين البارز نمر النمر لعلاقته بالمظاهرات في المنطقة الشرقية عام 2014، ولم يكن الرجل الوحيد الذي يعدم، بل وصل عددهم إلى نحو 50 شخصاً. وقالت المنظمة: «كل إعدام مروع، لكن السعي إلى إعدام نشطاء مثل إسراء الغمغام، غير متهمين حتى بأعمال عنف، أمر فظيع. يوما بعد يوم، يجعل استبداد السلطات السعودية غير المحدود مهمة أكثر صعوبة على شركات العلاقات العامة، في الترويج لمقولة «الإصلاح» الخرافية بين حلفائها والشركات الدولية». هكذا علقت سارة لي ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة. وهناك عشر نساء أخريات اعتقلن في الشهور الاخيرة بسبب نشاطهن او مطالبتهم بالسماح للمرأة بقيادة السيارة.
والملاحظ انه في الوقت الذي رضخت السلطات السعودية وسمحت للمرأة بقيادة السيارة فقد اعتقلت اللاتي نشطن في هذا المجال وتحدين الحظر ومنهن لجين الهذلول. ونظرا لغياب الضغط الدولي تستمر السلطة في اعتقال النساء والرجال معا. وتشعر ايضا ان بامكانها تجاهل الضغوط التي تمارسها المنظمات الحقوقية الدولية.
وهكذا تكون المرأة في الخط الامامي من النضال بتعدد اشكاله. فهي تعتقل وتعذب وتغتصب من قبل الانظمة الاستبدادية كما يحدث في البحرين والسعودية ومصر، وهي تتعرض للاعتداء من قبل العنصريين في بلدان «العالم الحر» بسبب حجابها الذي يميزها عن الأخريات، وتستهدف في فلسطين من قبل المحتلين لأنها تشحذ همم الازواج والابناء، وتتصدى لبناء المستوطنات كما فعلت الأمريكية ريتشيل كوري. فطوبى للمرأة العملاقة التي تشبثت بانسانيتها وحملت قضيتها وتسابقت مع الرجل على طريق التغيير من اجل انسانية افضل.

القد س العربي

ثلاثاء, 04/09/2018 - 08:37