الإقالات بقطاع الطاقة بتونس.. محاربة فساد أم دعاية؟

يغلي ملف قطاع الطاقة بشدة في تونس، وذلك عقب قرار رئيس الحكومة يوسف الشاهد إقالة مسؤولين بارزين بينهم وزير الطاقة والمناجم، بسبب شبهة فساد بإحدى آبار النفط.

ووفق مراقبين، فإن هذه القضية ليست سوى مجرد شجرة تحجب غابة الفساد بقطاع الطاقة، وما من أحد كان ينتظر زوبعة تلك الإقالات المباغتة التي عصفت بوزير الطاقة خالد قدور، وكاتب الدولة للمناجم هاشم الحميدي المتهم في قضية رشوة بقطاع الفسفاط، والمدير العام للمحروقات، والمدير العام للشركة التونسية للأنشطة البترولية الذارع الحكومية في مجال الطاقة.

والآن لم يعد هناك ما تسمى بوزارة الطاقة في تونس بعد أن حلّها رئيس الحكومة وألحق مصالحها بوزارة الصناعة، التي تخضع حاليا لتحقيق معمق من هيئة الرقابة للمصالح العمومية وهيئة الرقابة العامة للمالية، للتدقيق في عملها قبل إعادة هيكلتها ومراجعة حوكمة قطاع الطاقة.

والسبب هو اكتشاف الحكومة شبهة فساد بحقل النفط البحري "حلق المنزل" بساحل مدينة المنستير وسط البلاد، والذي تستغله الشركة التونسية "توبيك" منذ العام 2009 بطريقة غير قانونية، بحسب تأكيد رئاسة الحكومة، رغم أن الشركة تقول إن عقدها صالح حتى 2029.

خطوة صحيحة
بشأن هذه القضية تقول المحامية والباحثة في العقود النفطية فوزية باشا، إن الحكومة كانت على صواب بإقالة أولئك المسؤولين نتيجة وجود تجاوز قانوني خطير برخصة استغلال الحقل من قبل الشركة التونسية المذكورة التي "انتفعت بامتيازات وخرقت المدة القانونية".

وأوضحت للجزيرة نت أن استغلال الحقل مُنح عام 1979 لشركة نمساوية طيلة 50 عاما بموجب مجلة محروقات قديمة، ثم تحولت ملكية الحقل للشركة توبيك، التي فضلت الانضمام لمجلة المحروقات الجديدة عام 1999 للانتفاع بمزاياه، لكن طيلة 30 عاما فقط.

وأضافت فوزية باشا أن الشركة التونسية المذكورة أرادت أن تضرب عصفورين بحجر واحد، محاولة الاستفادة بأطول مدة، بناء على مجلة محروقات قديمة صيغت قبل الاستقلال، وأيضا الانتفاع بالمزايا الضريبية لمجلة المحروقات لعام 1999، وهذا خرق صارخ للقانون.

وترى أنه كان من المفروض أن تستعيد الدولة ملكية تلك البئر المليئة بالبترول من الشركة التونسية منذ 2009، لتستغله بنفسها عن طريق الشركة التونسية للأنشطة البترولية، أو عبر فتح طلب عروض لإسناده لمستثمر جديد والانتفاع بالأرباح، لا أن تُحرم منها مثلما حصل.

شبهات فساد
هذه القضية أصبحت محل تندر على مواقع التواصل الاجتماعي حتى إن البعض صار يعلق على منصة استخراج النفط بالبحر "حلق المنزل" بأنها مكان لبيع النفط خلسة، لكن فوزية باشا تعلق بأن القضية المعروضة على القضاء قطرة في محيط الفساد الذي ينخر قطاع الطاقة.

وتفجرت احتجاجات سابقة لا سيما بمنطقة الكامور بمحافظة تطاوين الجنوبية ضمن حملة "أين البترول؟"، تنديدا بوجود شبهات فساد بقطاع الطاقة الذي تقول فوزية باشا إنه "وكر فساد يتغذى من التجاوزات القانونية وصفقات الرشوة وغياب الحوكمة والرقابة والتدقيق والشفافية".

ومن الملاحقين بشبهات الفسادِ الشركةُ التونسية للأنشطة البترولية الحكومية، التي يتهم مديرها العام الأسبق باقتناء رخص في العام 2016 من مستثمرين لحقول نفط ذات مردودية ضعيفة، لكن بأموال طائلة رغم اقتراب عودة ملكيتها للدولة نتيجة اقتراب انتهاء آجال استغلالها.

وحتى الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي تحوم حوله شبهة فساد رغم تبرئته قضائيا عام 2013، إذ اتهم لمّا كان وزيرا أول بعد الثورة بعدم مصادرة أسهم شركة نفطية تابعة لسليم شيبوب صهر الرئيس المخلوع قبل أن تحول ملكيتها لصلاح الدين السبسي شقيق الرئيس.

معركة سياسية
ومن جانبها قالت النائبة المعارضة بالبرلمان سامية عبو -المعروفة بفضحها العديد من ملفات الفساد- إن قطاع الطاقة مليء بصفقات مشبوهة وتجاوزات تنخر المالية العمومية، مؤكدة للجزيرة نت أن الاقتصاد التونسي المنكوب بوسعه أن يستعيد عافيته لو يخضع قطاع الطاقة إلى الرقابة والتدقيق.

وعن موقفها من إقالة المسؤولين بقطاع الطاقة، قالت عبو إن تلك الحملة تدخل ضمن معركة "سياسوية" ضيقة يقودها رئيس الحكومة يوسف الشاهد للترويج لصورته قبل انتخابات 2019، مذكرة بأن حقل "حلق المنزل" روج له الشاهد بنفسه نهاية 2016 ضمن مؤتمر الاستثمار 2020.

ورغم انتقادها تباطؤ دور القضاء في محاسبة الفاسدين، فإنها تأمل أن يكون هذا الملف مدخلا للكشف عن بؤر الفساد بقطاع الطاقة، إذ تؤكد أن رخص العديد من الحقول تم تجديدها بطرق غير قانونية، وأن الدولة لا تعلم حجم الإنتاج الحقيقي للنفط والغاز لغياب الرقابة والشفافية.

"
تستعد جمعية المراقبين العموميين لنشر دراسة تحليلية نهاية هذا الشهر لجميع العقود النفطية التي نشرتها تونس للعموم تحت ضغط المجتمع المدني والاحتجاجات.

تجاوز قانوني
من جهته قال رئيس جمعية المراقبين العموميين شرف الدين اليعقوبي في حديثه للجزيرة نت إنه لا يكاد يخلو عقد من عقود الطاقة في تونس من التجاوزات القانونية، سواء بعدم احترام المدة القانونية للنشاط أو عدم احترام مساحة الاستغلال أو عدم معرفة المالكين الحقيقيين.

وتستعد الجمعية لنشر دراسة تحليلية نهاية الشهر لجميع العقود النفطية التي نشرتها تونس للعموم تحت ضغط المجتمع المدني والاحتجاجات، وأضاف اليعقوبي أنه تمت دراسة جميع تلك العقود بعيدا عن الانتقائية قصد تفكيك جميع الاختلالات بطريقة علمية وموضوعية.

ومع أنه أكد أن القضاء هو السلطة الوحيدة لتثبيت تهم الفساد بقضية "حلق المنزل"، فهو يعتبر أن هذا الملف يمثل شجرة في غابة من الاختلالات القانونية، مبرزا بأن القطاع يحتاج لإصلاحات شاملة لتعزيز الشفافية في ظل غياب معرفة دقيقة بالعائدات الحقيقية للحقول.

شاملة لتعزيز الشفافية في ظل غياب معرفة دقيقة بالعائدات الحقيقية للحقول.

المصدر : الجزيرة

أحد, 09/09/2018 - 09:47