تركيا بين خارجٍ مُحتل وداخلٍ مُمزّق

ليليان معروف

مع اقتراب موعد الانتخابات الرّئاسية في تركيا، اشتعلتِ الأجواء فيها بين مؤيّدٍ لهذا ومعارض لذاك ، وبين أزمةٍ داخل البلاد وأزمةٍ خارجها، وشعارات من أردوغان و من معارضيه علّها تنتشل الجميع من الغرق في فوضى الأزمة الاقتصادية الخانقة للبلاد.
كلٌّ يسعى على حِدى لكسب الأصوات والتّغطية على فشل الجميع في إدارة البلاد، مساومات من أردوغان و عليه، و تجارة منه ببلاده ومقامرة في أرواح المواطنين واللاجئين السوريين, و إتجار ببنك أهداف داخلية لصالح مطالبه الخارجية ونجاحه في انتخابات 2030، بيتٌ شُتّت من الدّاخل، فكيف له أن يُرمّم نفسه من الخارج؟ فإذا أردنا الحديث عن البيت المُمزّق سنبدأ من أزمة التّضخم وليس انتهاءً بأزمة القمع والاعتقالات.
تعاني تركيا منذ شهور عديدة من منحى تصاعدي في تراجع اللّيرة التّركية أمام الدّولار الذي انخفض في أحد الأشهر جزئياً، ثمّ عاود الصّعود مجدداً لتصل قيمة الليرة إلى 17أمام الدّولار الواحد مُتوقّعاً البعض انخفاضاً مُضاعفاً  في الأشهر القادمة بعد تسجيل خسائر بلغت 23% هذا العام ،وتوازى انخفاض اللّيرة التّركية مع ارتفاع التّضخم بشكلٍ كبيرٍ، حيث ضاعفت منظمة التّعاون الاقتصادي والتّنمية (OECD) توقعاتها للتّضخم في تركيا بنهاية عام 2022، بثلاثة أضعاف وبلغت توقعات التّضخم 72.٥ بالمئة، بعد أن كانت 23.9٪ لشهر ديسمبر المُقبل، ويبلغ معدل التّضخم المُعلَن رسمياً في تركيا وفق بيانات شهر مايو، ٧٣ بالمئة، في الوقت الذي يتفاخر به وزير المالية التّركي بزيادة النمو مُتجاهلاً التّضخم الحاصل في حوار مع صحيفة حريت التركية.
وكشف بحث أعدّته مؤسسة اسطنبول لأبحاث الاقتصاد أنّ نسبة الذين قالوا إنّ “الدخل لا يستوفي النفقات” 85٪، وبلغت نسبة من قالوا إنّ“دخلهم يغطي نفقاتهم” 15٪ وقال مدير أبحاث تقرير تركيا جان سلجوقي في تقييمه لنتائج التقرير: “إنّ الفجوة بين معدل النّمو المُعلن والاقتصاد الّذي يعيش فيه المجتمع آخذة بالاتّساع.
وهذا التّدهور الاقتصادي الّذي تعيشه تركيا دفع بالكثير من حاملي الشّهادات إلى الهجرة خارج البلاد وعلى رأسهم الأطبّاء ،حيث أعلنَ اتّحاد الأطباء التركي أنّ عدد الأطباء الحاصلين على شهادة اعتماد للسّفر إلى الخارج تضاعفَ خلال شهر مايو المُنصرم ليسجلَ أعلى مستوياته على الإطلاق ،وعزت صحيفة زمان التركية هذه الزّيادة في الهجرة إلى قلة الرّواتب والمناوبات الطويلة وتزايد الأعباء، إذ إنّ بعض الأقسام في المستشفيات الحكومية توقفت عن عدم تلقي حجوزات من المرضى لخلوها من الأطباء.
وأكدت على كل ذلك صحيفة وول ستريت جورنال التي نشرت تحليلاً لما يجري في تركيا وبيّنت أنّ التّضخّم الذي تعاني منه الأخيرة يُعدُّ أعلى نسبة تضخّم بين دول مجموعة العشرين وعلى مستوى العالم، فهو يأتي في المرتبة السادسة من حيث الدول الأعلى تضخماً، ولقد سارعت تركيا وعلى مدى أشهر لدعم اقتصادها من خلال ضخ مليارات الدولارات لدعم الليرة التركية، ولكن هذه الإجراءات فقدت أهميتها، وهو ما أدّى إلى تشديد الضّغط الاقتصادي على أردوغان.
وعلى خلفية الأزمة الدّاخلية التي تعاني منها تركيا تعمل الحكومة التّركية على قمع الحريات فيها وتقبض بيدٍ من حديد على معارضيها ،حيث اعتقلت 21 صحفياً تركياً وصادرت جميع أدواتهم الصّحفية بحسب وكالة جين نيوز، في الوقت الذي تحتل فيه تركيا المرتبة 153 من أصل 180 في مؤشر حرية الصّحافة العالمي لعام2021 الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود ،فيما وقع هجوم على جمعية هوبيار سلطان العلوية في اسطنبول على مرأى الحكومة التركية التي لم تحرك ساكناً حيث تتكرر الحوداث العنصرية ضد العلويين والأكراد في تركيا الذين يشكّلون نصف المكوّن التركي تقريباً ،ولم يكن آخرها حظر ولاية أضنة جنوب تركيا مسرحية كردية  كان من المنتظر أن تُعرض في قاعة مسرح بلدية أضنة، وبحسب صحيفة زمان التركية صدرت مؤخراً عدة قرارات بإلغاء حفلات فنية لفنانين أكراد، والتي كان من بينها حفل للفنانة الكردية أينور دوغان وحفل للفنان متين كمال كهرمان، وحفل للفنان نيازي قويونجو, كما شهدت بلدية إدرميت اعتداءً على عمدة بلدية معارض أدى إلى كسر في أنفه، وفي كل المناطق تشهد حالات اعتداء عشوائية واعتقالات تعسفية إضافة إلى معاملات عنصرية تجاه بعضهم البعض وتجاه اللاجئين السّوريين ليس آخرها الاعتداء بالضّرب على مُسنّة سورية ضجّت بالحديث عنها مواقع التّواصل الاجتماعي .
وتُلقي أزمة الحكومة التّركية الدّاخلية وقمعها للحريات بظلالها على الخارج التركي حيث يعمل رجب طيب على ترقيع ما مزّقته سياسته الداخلية بسياسةٍ خارجيةٍ بائسة ،حيث شهدنا في الفترة الأخيرة وصله لحبالٍ قُطعت، وتضميده لجراحٍ نزفت علّها تشفي داخله المُمزّق وتُكسبه أصواتاً ارتفعت ضده، فهو في صراعٍ مع معارضيه من جهة، ومع محيطه من جهة أُخرى.
ففي الوقت الذي تفوح رائحة سياسة أردوغان الفاشلة في السنوات الأخيرة تتوحّد أحزاب المعارضة التي تضم أحزاب الشعب الجمهوري، الخير، السعادة، والمستقبل ضد سياسته وتقدم مرشحاً واحداً لم يعلنوا عنه خشية اغتياله من قِبل حزب العدالة والتنمية.
ويسعى رجب طيب إلى محاربة داخلية لمعارضيه وفانتازيا خارجية لعرض عضلاته قبيل الانتخابات المقبلة، حيث أعلن اعتراضه على انضمام فلندا والسويد للناتو تحت حجة حماية الدولتين لإرهابيين على أرضهم، كما أنه استخدم اللاجئين السوريين مجدداً للفوز في الانتخابات ،وأخذ يهدد بالقيام بعملية عسكرية بعمق 30 كم في الأراضي السورية لنفس الحجة وهي وجود إرهابيين على حدوده، بينما هي في الواقع استكمال لسيناريو قضم مزيد من الأراضي السورية وسرقة الثروات السورية مستقبلاً.
إضافةً إلى كل ما سبق يذهب أردوغان بأحلامه العثمانية إلى حد مساومة روسيا على قمحها وعلى سوريا، كما أخذ يساوم أمريكا في سوريا لأجل عدة أسبابٍ منها مطالبه في أن تتراجعَ واشنطن عن بيع طائرات “أف 35” لتركيا وفي نفس الوقت ينتظر منها أن تسمح له بنصب صواريخ “أس – 400” الروسية وتفعيلها، كما يريد التنسيق في موضوع نقل الغاز القبرصي والغاز الإسرائيلي عبر تركيا إلى أوروبا، ويريد أن يحافظ على علاقته مع إيران ويعادي هذا ويصالح ذاك، ويستفيد على جميع الجبهات والجهات دون وجود خطة حقيقية لرفد الاقتصاد والعودة بتركيا إلى سياسة صفر مشكلات مستمراً في سياسة دعم المسلحين وتبرير إرهابهم أمام العالم وأمام مواطنيه واللعب على جميع الحبال، فهل تنجح تركيا بقيادة أردوغان أو دونه في الخروج من هذا المستنقع الذي دخلت به سياسيا واقتصادياً؟ .

نقلا عن رأي اليوم 

جمعة, 10/06/2022 - 18:00