تتعدد المداخل التي يمكن للمرء أن يتناول من خلالها هذا الحدث البارز،اليوم الوطني السعودي في ذكراه 93، وتتنوع الأبعاد التي يسهل على الكاتب أن يدلف عبرها لتخليد هذه الذكرى المجيدة.
إن هذه الذكرى تتطلب وقفة لعرض بعض أوجه التطور البشري والعمراني الذي تحقق في المملكة العربية السعودية، وكذلك الإشارة إلى ما بلغه العمل الخيري الإنساني عبر رعايتها من إفادة وريادة، ثم ذكر مستوى التعاون بين المملكة وشقيقتها موريتانيا على المستوى التنموي.
لمحة عن مظاهر التقدم
ولئن ضاق المقام عن استعراض أوجه ذلك التطور المشار إليه، فلابد من ذكر المستوى العلمي والأكاديمي الذي بلغته الجامعات السعودية ومراكز أبحاثها المختلفة حيث ارتفع عدد الجامعات السعودية في التصنيف العالمي للجامعات لعام 2023 إلى 12 جامعة سعودية، مقارنةً بـ 7 جامعات في العام 2022 حسب مؤشر "شنغهاي" فيما بلغ العدد حسب مؤشر "التايمز " 21 جامعة للعام 2023 ، وهذا هو حجر الزاوية في بناء نهضة علمية و اقتصادية عمرانية مستدامة وهو ما جعله يقع على أُسٍ أولويات رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للعام 2030 التي وضعت ملامح المملكة الجديدة استثمارا في الإنسان وتطويرا للعمران .
تلك إشارات عابرة لما شهدته المملكة في الأعوام الأخيرة من تطور وتحديث على المسويات العلمية والتنموية محليا، أما على مستوى العمل الإنساني في الخارج فقد ارتادت فيه المملكة آفاقا رحبة شمل عطاؤه كثيرا من بقاع الأرض.
ولئن طالت تلك التدخلات الإنسانية، الإنسان من حيث هو إنسان دون تمييز لعرقه أو لونه أو دينه، فقد شكلت خدمة ضيوف الرحمن في البيت العتيق وغيره من الأماكن المقدسة ذروة التدخل الإنساني الأرقي خدمة للمعتمرين والحجاج القادمين من كل فج عميق وذلك تسهيلا للمناسك عبر تطوير البنية التحتية للمشاعر التي يسرت أداء الشعائر وسكبت الطمأنينة والأمان على قلوب المؤمنين فأقبلوا على الله في جو إيماني رباني لا يعكر صفوه تزاحم ولا يُقلقه ضيق، فانعكس ذلك في مشاهد مهيبة تجُسد البعد الحضاري للإسلام السمح المعتدل.
العمل الإنساني السعودي- تدخلات فورية وتنمية مستدامة
ومما يعكس النظرة الاستشرافية الواعية للعمل الخيري والإنساني هو أنه لم يقتصر لدى الملكة على تلك التدخلات الآنية والسريعة التي تتطلبها لحظات الكوارث والحوادث الطارئة (إغاثة وإنقاذا وإيواء) على أهميتها وضرورتها، بل إن هذه لإستراتيجية اتجهت نحو التركيز على التنمية المستدامة للمجتمعات الفقيرة فأنشأت فيها المراكز والمجمعات الخدمية من تعليم وصحة مما ساهم في انتشال كثير من المجتمعات من الفقر والأمية والأمراض، فضلا عن توفير المياه وبناء المساجد والمدارس وغيرها من المنشآت الضرورية لحياة الإنسان.
وتجسيدا لهذه السياسة الحصيفة والمثمرة، فقد وفرت الجمعيات السعودية العاملة في هذا الميدان فرصا للشباب لمواصلة دراساتهم العليا من خلال المنح الدراسية المتنوعة التي تقدمها سنويا للطلاب عبر العالم الإسلامي وفي مختلف الجامعات العالمية وهو ما أثمر أفواجا من الخريجين والأطر المرموقين الذين عادوا لخدمة مجتمعاتهم مسلحين بالعلم والمعرفة والخبرة التي اكتسبوها بفعل هذه الرؤية المستنيرة .
و قد نالت إستراتيجية التركيز على التنمية المستدامة بالاستثمار في الإنسان وتأهيله وتكوينه تثمين المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني، فعقدت الشراكات مع المملكة، ورسخت العلاقة بمؤسساتها ذات الصلة لما حازته من إيجابية ومصداقية وبذلك أصبحت المملكة ركنا أصيلا في العمل الإنساني الراقي.
ولقد أثمرت تلك الإستراتيجية سمعة طيبة عبر مسيرة حافلة بالجد والمثابرة والرؤية المتبصرة الرصينة المؤسسة على علاقات واسعة نسجتها الدبلوماسية السعودية عبر العالم.
العلاقات السعودية الموريتانية- تاريخ ممتد من التعاون المثمر
أما مستوى العلاقات الثنائية بين المملكة وموريتانيا فقد شملت مختلف جوانب التعاون وخاصة التنموية، حيث تبرز السعودية كأهم داعمي موريتانيا في هذا الميدان وذلك منذ بدء العلاقات بين البلدين مفتتح سبعينات القرن الماضي.
ويُعد الصندوق السعودي للتنمية أبرز المؤسسات السعودية الداعمة للمشاريع التنموية في موريتانيا مركزا على قطاعات الخدمية كالمياه والصحة والتعليم و من أمثلة ذلك دعم مشروع شبكة توزيع المياه في نواكشوط الذي بلغ تمويله الإجمالي 25.33 مليون دولار، مستهدفا تحسين نوعية مياه الشرب وتطوير شبكة توزيع المياه التي تغطي خطوط مياه بطول 600 كلم ليستفيد منها أكثر من 20 ألف منزل.
فيما بلغ دعم التغطية الصحية 10 ملايين دولار خلال سنة 2022 وحدها وذلك لرفع مستوى الخدمات الصحية وتوفير المعدات اللازمة من خلال تجهيز مركز غسيل الكلى بـنواكشوط ليتسع ل 16 وحدة غسيل كلى.
أما على المستوى التنموي، فقد نفذت المملكة خلال السنوات القليلة الماضية في موريتانيا (53) مشروعًا إنمائيًا ما بين قروض تنموية ميسّرة، ومنح بقيمة تتجاوز (800) مليون دولار، للإسهام في تطوير العديد من القطاعات الحيوية والتنموية.
أما البني التحتية وبخاصة مجالات الطرق، فتعتبر أهم المجالات التي كان للقروض السعودية أثرها الواضح فيه حسب التقارير التي ترصد العلاقة المثمرة بين البلدين الشقيقين إضافة إلى مجالات المناجم والتعدين والمياه الحضرية و الاستصلاح الزراعي.
خـــــــاتمة
لا يتسع المجال لتعداد وتتبع مظاهر العطاء المتجدد الذي تتسم به السياسة الإنسانية للملكة العربية السعودية خدمة للبشرية وعونا للإنسان، لكنها إشارات عابرة تثمن ذلك الدور الريادي وتبرزه عرفانا بالجميل وتقديرا لأهله في هذه الذكرى السنوية الحافلة بالمعني والإنجازات.