حول قانون النوع أو كرامة

الهيبه الشيخ سيداتي

- إلى عهد قريب كانت الأدوية نادرة في معظم نواحي البلاد، وكانت الأسر إذا مرض أحد أفرادها واضطررت لنقله إلى المستشفى وتلقى العلاج تحتفظ غالبا بما تبقى من العقاقير التي صرفت له، وكلما مرض أحد أفراد العائلة أو المعارف قدمت له بعض تلك العقاقير دون الرجوع إلى أي طبيب، وبالطبع دون اهتمام بتشخيص مشكلته الصحية. وفي أكثر الحالات يتفاقم المرض ويستحيل البرء. 

 

تذكرت حالات من هذا النوع بمناسبة الجدل الدائر حول العرض الرابع للقانون الذي ظهر أولا باسم قانون النوع وطرأت عيله تحسينات منها دون شك اسمه الجديد “كرامة”.  

 

فاستنساخ قوانين سنتها مجتمعات محددة للتعامل مع مشاكل وأمراض اجتماعية معينة، والسعي إلى استنبات تلك القوانين في بيئات اجتماعية أخرى، دون مراعاة لاختلاف أسباب وأعراض وطرق العلاج الأمثل لمشكلات هذه المجتمعات، لا يختلف كثيرا عما كان عليه مذهب الأهالي في البادية في استخدام أي دواء يقع تحت أيديهم لكل داء ولكل مريض. وكما أنه لا يوجد علاج "يبري المرض ال ماهو معروف"، فإنه ليس هناك "نوع" من المقاربات يصلح لكل المجتمعات. 

 

- موريتانيا الرسمية تحفظت، على غرار دول إسلامية كثيرة، على ما يخالف الشريعة الاسلامية في اتفاقيتي سيداو وبيكين. ومن غير المفهوم أن تتحفظ على مواد في تلك الاتفاقيات وتسطر مضامينها في قوانين داخلية، فليس من الحكمة في شيء أن نغلق الأبواب أمام ما نعتبره خطرا ثم نفتح له النوافذ ليتغلغل في عمق ديارنا. 

 

- لا جدال أن الحاجة قائمة لسن قوانين تحمي المرأة والفتاة وأن المبادرة بذلك واجبة، فالمظالم التي تتعرض لها النساء ليست قليلة ولا جديدة، والمخاطر التي تتربص بهن متزايدة، درجة ونوعا، وبتسارع غير مسبوق، ليس أقل أسبابه الانفتاح المفاجئ على عوالم مدهشة ومغرية لكنها لا تخلو من مزالق ومهلكات. 

 

- يبقى أن أي جهد لحماية المرأة والفتاة في مجتمع مثل مجتمعنا يجب أن يتأسس على أحكام شريعتنا الإسلامية التي يتعين على من يجهلها منا أن يتعلمها حتى لا يزيغ عنها من حيث لا يدري، وعلى من يحمل رايتها أن يتقيد بها حتى تكون لدعواه مصداقية؛ فليس من الانتصار للشريعة الإسلامية الوقوف ضد سن قوانين تحمي المرأة والفتاة، كما أنه لا خير للمرأة والفتاة في نصوص قانونية تقوم على مقاربات تصادم دين الله وفطرته التي فطر الناس عليها.   

 

-مسألة أخرى في غاية الأهمية، وهي أنه لا حماية ولا مصلحة للمرأة أو الفتاة خارج مؤسسة الأسرة، التي نوه دستورنا بكونها الخلية الأساسية للمجتمع الإسلامي، وأكد على الحقوق المتعلقة بها ضمن الحقوق الأساسية التي كرسها بالفقرة الثالثة من ديباجته.  

 

ولا يخفى أن المخاطر التي تواجهها المرأة والفتاة في واقعنا تتطلب تعزيز تماسك وترابط الأسر، لا تشريع أحكام من شأنها أن تزعزع الثقة في كيان الأسرة وتنقل أدوارها إلى كيانات يستحيل أن تغني عن دور الأسرة. وقد أدركنا الناس يقولون إن "اللِّي أَحَنّْ من الأم كَهَّانْ". 

 

ومهما قيل عن تجاوزات ومخاطر من داخل الأسرة فهي تظل استثناءات تؤكد القاعدة. وبالتأكيد تظل الأسرة أهم حضن وحصن لحماية المرأة والفتاة في كل المجتمعات، وفي مجتمعنا بالذات. وكل تشريع يقلل من شأن الأسرة وينتقص من أدوارها سيحرم المرأة والفتاة من سندٍ هنَّ أحوج ما يكون إليه في مواجهة واقع مليء بالمخاطر. 

 

-أخيرا، إلى متى سيبقى اهتمامنا بتكريس حقوق الانسان عموما، بما فيها حقوق المرأة، مرتبطا بأجندات وضغوط من الخارج؟ علينا أن نتعود أن نطرح مشكلاتنا على طاولة البحث والنقاش، وأن نحدد احتياجاتنا التشريعية انطلاقا من واقعنا، ونبحث لها عن حلول عادلة وناجعة، ولن تكون كذلك ما لم تكن نابعة من قيمنا وحقائق مجتمعنا.

سبت, 30/09/2023 - 17:20