هل تتجه أزمة الاقتصاد الباكستاني إلى سيناريو الإفلاس ؟

نور ملحم 

تشهد باكستان أزمة اقتصادية حادة، في ضوء ارتفاع التضخم، وتراجع احتياطيات النقد الأجنبي، وتدهور قيمة العملة الباكستانية "الروبية"، إلى جانب غياب القدرة التصديرية وتنامي الدين الخارجي، الأمر الذي يهدد بتفاقم الاضطرابات السياسية الداخلية في البلاد، ويُنذر بكارثة مماثلة.
للمرة الأولى منذ أربعة أشهر ارتفعت معدلات التضخم في باكستان، بعد أن رفعت الحكومة أسعار الوقود لتلبية شروط صندوق النقد الدولي لاستمرار تقديمه برنامج الإنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار إلى البلاد.
و أظهرت بيانات مكتب الإحصاءات الباكستانية أن معدل التضخم في باكستان ارتفع إلى 31.4% على أساس سنوي في سبتمبر/أيلول من 27.4% في أغسطس/آب، في ظل معاناة البلاد من ارتفاع أسعار الوقود والطاقة.
وتبدأ البلاد في السير على طريق صعب نحو التعافي الاقتصادي في ظل حكومة تصريف أعمال بعد أن أدى برنامج قرض بقيمة 3 مليارات دولار وافق عليه صندوق النقد الدولي في يوليو/تموز إلى تجنب التخلف عن سداد الديون السيادية، ولكن بشروط أدت إلى تعقيد الجهود الرامية لكبح جماح التضخم.
وبلغت ديون باكستان الخارجية بنهاية عام 2022 نحو 126.3 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل 33% من إجمالي الناتج المحلي، في حين أن حوالي 77% من هذا الدين أو 97.5 مليار دولار أمريكي كانت على الحكومة نفسها، فيما تدين مؤسسات القطاع العام التي تسيطر عليها الحكومة بمبلغ إضافي قدره 7.9 مليار دولار أمريكي للدائنين متعددي الأطراف. ومن ثّم تظهر المشكلة الحقيقية في الاقتصاد الباكستاني وهي آليات سداد القروض على المديين القصير والمتوسط على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وهناك أربع فئات واسعة يمكن تصنيف ديون باكستان تحت مظلتها.
وعلى أساس شهري، ارتفع التضخم بنسبة 2% في سبتمبر/أيلول، مقارنة بزيادة قدرها 1.7% في أغسطس/آب. التضخم الذي ارتفع إلى مستوى قياسي بلغ 38.0% في مايو.
كما ارتفعت أسعار الفائدة إلى أعلى مستوياتها عند 22%، ووصلت الروبية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق في أغسطس/ آب  قبل أن تتعافى في سبتمبر لتصبح العملة الأفضل أداءً بعد حملة القمع التي شنتها السلطات على تجارة العملات الأجنبية غير المنظمة.
ويشير ارتفاع التضخم مرة أخرى إلى أن صانعي السياسة في البلاد لديهم حجة لزيادة سعر الفائدة القياسي خلال الاجتماع المقبل المقرر عقده في 30 أكتوبر و أدت أسعار الفائدة القياسية إلى تهدئة الأسعار لثلاثة أشهر متتالية بدءاً من يونيو ودفعت البنك المركزي إلى وقف تشديد سياسته في الاجتماع الأخير.
وذكرت وزارة المالية الباكستانية في تقريرها الشهري إنها تتوقع أن يظل التضخم مرتفعا في الشهر المقبل، ليتراوح بين 29 و31% بسبب التعديل التصاعدي في تعريفات الطاقة والزيادة الكبيرة في أسعار الوقود.
وارتفع التضخم، ويحوم في خانة العشرات، منذ نوفمبر 2021. واستهدفت الدولة الواقعة في جنوب آسيا معدل التضخم عند 21% للعام المالي الحالي، لكنه بلغ في المتوسط 29% خلال الربع الأول.
وأدى تدهور الأوضاع الاقتصادية، إلى جانب تصاعد التوترات السياسية في الفترة التي سبقت الانتخابات الوطنية المقرر إجراؤها في نوفمبر، إلى اندلاع احتجاجات متفرقة في سبتمبر، حيث قال العديد من الباكستانيين إنهم يكافحون من أجل تغطية نفقاتهم.
وتجلت الأزمة الاقتصادية في باكستان في تراجع احتياطيات النقد الأجنبي لها إلى أدنى مستوى تاريخي عند 3.19 مليار دولار في نهاية فبراير 2023، وهو ما يغطي فقط مدة أسبوعين من واردات الدولة، ويتزامن ذلك مع ضرورة التزام هذا البلد بسداد ديون ضخمة تصل لنحو 73 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2025. 
وعمقت الأزمة متغيرات عديدة منها، الاضطرابات في الأسواق الاقتصادية والتجارية العالمية منذ بداية جائحة "كورونا"، وما تبعها من تذبذبات في سلاسل الإمداد والتوريد إلى جانب التغيرات العالمية في الأسعار. وتُفصِّل الدراسة عوامل أخرى للأزمة  منها الاضطرابات الاقتصادية المحيطة: حيث إن الأزمات الاقتصادية في الدول المجاورة لباكستان أثَّرت في التبادل التجاري معها ومن ثم شكلت نقطة ضاغطة عليها، مثلما الحال بالنسبة للانهيار الاقتصادي لسريلانكا
كما لعبت الاضطرابات الأمنية الدولية: شكِّل السياق الأمني الدولي واحداً من بين عوامل التأثير في الاقتصاديات الوطنية، كما الحال مع الانقلاب العسكري الذي تشهده ميانمار وتزايد الضغط الاقتصادي بها، إلى جانب الصراع بين أوكرانيا وروسيا الذي ألقى بظلاله على أسواق الطاقة وتأثرت الدول النامية بذلك التحول ومن ضمنها باكستان وبنغلاديش.
وأدى الانخراط العسكري الخارجي: واحدة من بين أبعاد التأثير في المشهد الباكستاني الداخلي هو وجود شركات الأمن الأجنبية في الداخل الباكستاني خاصةً شركات الأمن الصينية، وذلك في ضوء نشاط الحركات الانفصالية "السند والبلوش"، خاصة وأن الصين لديها الكثير من المشروعات داخل باكستان وتحتاج إلى حماية رعاياها، ولعل هذا الوجود الأمني يقوِّض قوة الجيش الباكستاني.

جمعة, 29/09/2023 - 13:47