سينقطع الجدل المتصل بقيادة الفريق الحكومي للرئيس غزواني خلال الثمان والأربعين ساعة القادمة، لسبب بسيط وهو أن الوزير الأول سيكون قد أعلن عن نفسه بتصريح مقتضب من بهو القصر الرمادي. لكن قبل أن يسكت الجدل، يمكن الإدلاء ببعض الملاحظات.
- امتلاء الساحة ووسائل التواصل الاجتماعي بالمرشحين، شيء طبيعي، في بيئة أصبح الإعلام فيها يلعب دورا أكبر من حقيقته، وأكبر من حجم تأثيره الطبيعي. هناك من يرشح نفسه بواسطة مجموعته، وهناك من يرشحه آخرون، وهناك من يرشح لأن اسمه فقط ورد على لسان أحدهم، في ساحة نقاش.
- كثير من المرشحين لا يضعون في الاعتبار المعايير التي يحتاجها الرئيس غزواني لاختيار قائد فريقه الحكومي، في مأمورية ستحكم على إرثه التاريخي، والسياسي والتنموي.
- وبشكل موضوعي، يحتاج الرئيس غزواني إلى شخصية تتوفر فيها مجموعة المعايير الفنية والسياسية؛ مثل الخبرة في العمل الحكومي، والمقبولية لدى فريق كبير من أغلبيته السياسية، ووزن حقيقي في الساحة السياسية، وهذه المعايير تتوفر في كثير من الشخصيات، بعضها موجود في التشكيلة الحكومية الحالية، وبعضها على ضفافها، في المؤسسات شبه الوزارية، وبعضها يتولى مناصب في مؤسسات دولية، وإقليمية.
غير أن هناك معيارين لا يتوفران في كثير من الشخصيات المرشحة، أو التي يتم تداولها كثيرا، ويمكن أن يكونا المعيارين الموضوعيين اللذين قد يحركان كوامن شخصية الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ولا شك أنه في قرارة نفسه يبحث عمن تتوفران فيه، وإن يصرح بذلك لمقربيه، أو يرشح عنه، أو يتناوله المتحدثون في الساحة، أو الكتاب في وسائل التواصل الاجتماعي.
الأول؛ معيار القطيعة، والذين يعرفون الرئيس غزواني، أو تعرفوا على طريقته في التفكير، يعرفون أن القطيعة التي يبحث عنها الآن ليست قطيعة مع الأشخاص، أو الحقب التاريخية الماضية؛ ففي سنواته الخمس الأولى تصالحت موريتانيا عبر حكوماتها مع كل تاريخها السياسي تقريبا، ففي حكوماته، وكبار موظفيه، وزوراء من كل الأجيال، والاتجاهات السياسية، والمشارب الفكرية.
القطيعة التي ينشدها غزواني في هذه المرحلة هي قطيعة مع حالة الركود التي عرفها موقع الوزير الأول، قطيعة مع ما وسم به معارضو الرجل مأموريته الأولى، صادقين أو كاذبين، من "خذلان" تعرضت له الرؤية التنموية، والسياسية، من طرف جهازه الحكومي، ووزيريه الأولين على وجه الخصوص، وهو ما يعنيه البحث عن شخصية يمكن أن تستقطب جزءا من مطالب الشارع، أو تجذب إليها بعض الجدل، أو بعض اللوم.
لقد أدت حالة "الشغور التي عرفتها الوزارة الأولى" إلى توجه كل الانتقادات، وكل المطالب، وكل الاحتجاجات صوب الرئاسة، ولم يجد ولد الغزواني من يتحمل معه أي لوم، رغم إعطائه الصلاحيات المطلوبة، وربما تفويضا أكثر من اللازم لوزيريه الأولين.
ويحتاج الرئيس لمن يملأ الموقع، ويأخذ حصته من الجل واللوم، والنقاش، وبالتالي نصيبه من المسؤولية أمام الرأي العام. كما يحتاج أكثر إلى من يحمل عنه شقا من أعباء البيروقراطية الإدارية التي تعيق متابعتها اليومية أجندة الرئيس عن متابعة مشاريعه الكبرى، والعمل على ضمان سيرها وفق رؤيته.
الثاني هو معيار "الجدية"، ولتكون وعود الرئيس الانتخابية في محلها، فهو يحتاج إلى وزير أول يقنع الرأي العام بأن عهدا من الجدية في متابعة المشاريع والبرامج الحكومية، قد بدأ، وأن الملفات لن تتراكم مرة أخرى أمام الرئيس، وترتبك أولويات العمل الحكومي، بسبب الحاجة إلى من يحسم في تريبها بشكل جدي، ويرتب على ذلك الحسم متابعة، ومراقبة صارمة حتى تحقيق المطلوب.
يحتاج الرئيس غزواني إلى وزير أول ذي شخصية مستقلة لا يتورط في محاولة محاكاة أساليب الرئيس في الحكم والإدارة والعلاقات مع الآخرين، وزير أول قادر على استلهام رؤية الرئيس دون الوقوع في أسر طريقته في التعامل مع الأشخاص والملفات.
وفوق المعايير التي يحتاجها الوزير الأول في عمله اليومي، هناك رسائل أخرى يجب أن يحملها، اختيار الوزير الأول، ومن أكثرها إلحاحا في المرحلة الحالية، استبعاد حالة المحاصصة المعيقة التي طبعت التعيينات في الوظائف الحساسة خلال المرحلة المقبلة. لا بد من التضحية بالمحاصصة الصريحة لصالح النتائج شبه المحققة، فلا وقت لدى البلد، ولا وقت لدى الرئيس ليضيع في تدريب قائد فريق جديد، قد يكتشف في لحظة من اللحظات أنه غير قادر على الانسجام، أو غير مستوعب لرؤية الرئيس، أو غير ملائم لطبيعة وظيفة الوزير الأول. وكل يوم يضيع في التعرف على شخص جديد، أو محاولة مواءمة شخص مع طبيعة العمل الحكومي ستضيع معه أشهر من العمل، والإنجاز، والزمن يسابق نفسه.
بقلم/ محمد عبده حبيب