هل تكون انتخابات الرئاسة 2019 بوابة العبور إلى المستقبل؟

الهادي بن محمد المختار النحوي

عاشت البلاد تجربة حكم العسكر بمراراته منذ إنهاء الحكم المدني عام ١٩٧٨. استبشر الموريتانيون بمرحلة ما بعد انقلاب ٢٠٠٥ الذي تلته مرحلة انتقالية برئاسة الرئيس علي ولد محمد فال عليه رحمة الله . وازدادت بشارة الموريتانيين بانتخابات ٢٠٠٧ التي تضمنت شوطا ثانيا فاز فيه الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في منافسة سليمة في ظاهرها مع الرئيس أحمد ولد داداه .
وبغض النظر عما قيل عن دعم العسكر لهذا المرشح أو ذاك فإن تلك الانتخابات كانت معقولة وشفافة على الأقل في بعض جوانبها الفنية .
وبعد هذه الانتخابات أصبحت موريتانيا حديث الدنيا ونظر إليها العالم بصفتها نموذجًا رائعًا في البلاد العربية والافريقية حيث تخلى رئيس عسكريٌ "طواعًية" عن السلطة ونظمت انتخابات رئاسية لم تكن نتائجها محسومة من البداية ، وهي حالة نادرة لم يسبقه لها سوى المشير عبد الرحمن سوار الذهب رحمه الله.
لكن هذا الحلم أو هذا المشروع تبخر بسرعة بعد انقلاب ٢٠٠٨ الذي دبر بتنسيق بين العسكر وبعض النواب "ممثلي الشعب" أو ما عرف وقتها بالكتيبة البرلمانية ودخلت البلاد في أزمةٍ سياسيةٍ خانقة إلى أن حُسم الأمر لأسباب خارجية وداخلية للرئيس محمد ولد عبدالعزيز.
رفع الرئيس محمد ولد عبدالعزيز شعار محاربة الفساد ولُقّب بصفة رئيس الفقراء. ونحن الآن على أعتاب نهاية المأمورية الثانية للرئيس محمد ولد عبدالعزيز يمكن أن نلخص وضع البلد على النحو التالي :
أنجز الرئيس محمد ولد عبدالعزيز إنجازاتٍ تذكر وتشكر منها : 
- التوسع في البنّى التحتية (الطرق) 
- بناء قصر المؤتمرات 
- بناء مطارٍ دولي جديد 
وإن كان بعض المختصين يرون أن بناء المطار وقصر المؤتمرات لا يخلو من خلل في ترتيب الأولويات. 
- بعض الاهتمام بقطاع الشؤون الإسلامية : رواتب الأئمة وطباعة المصحف وقناة المحضرة.
وعلى المستوى الدبلوماسي، استضافت موريتانيا القمة العربية والقمة الإفريقية وأصبح لها بعض الحضور في النزاعات الإقليمية ، وفي هذه أيضا قد تثار مسألة الأولويات .
ولكن للصورة جوانب أخرى غير مبشرة : 
- انتشار الفقر والبطالة في موريتانيا (تقدر نسبة الفقر بما يزيد عن ٥٠٪؜)
- ارتفاع المديونية الخارجية (تقدر بما يقارب ١٠٠٪؜ من الناتج المحلي) 
- ما زالت موريتانيا مصنفةً ضمن الدول الأقل نموًا 
- ترتيب موريتانيا ما زال متدنيًا في ما يتعلق بمؤشرات التنمية (الصحة والتعليم والرفاه) 
- انتشر الفساد بصور أخرى في الجهاز الحكومي حسب ما يقول المراقبون، ونتيجة ذلك فإن موريتانيا مصنفة ضمن الدول الأكثر فسادا حسب منظمة الشفافية العالمية. 
- بدأ ترسيخ فكر ومنهج الزعيم الملهم والقائد الهمام الذي تجاوزته معظم الدول وهذا النموذج كان معروفًا في الستينات والسبعينات والثمانينات ولم يعد هذا عصره.
- تراجع مستوى الشفافية في الانتخابات وانتعشت وازدهرت الأساليب القبلية والعشائرية والفئوية واستخدمت أدوات الدولة لمصلحة الحاكم وحزب الحاكم 
- زادت الهوة بين الموالاة والمعارضة وتشنج الخطاب حتى أصبحت المعارضة مصنفة رسميًّا بأنها عدوة للوطن وأن بعض فصائلها يغذي التطرّف، وكل هذا خطابٌ لا يناسب العمل الديموقراطي السليم.
- تراجع أداء العمل المؤسسي الذي هو ثمرة النظام الديموقراطي ليحل محله تكريس زعامة الفرد وربط اسم البلاد به كما أشرنا آنفا ، ومن مظاهر خطورة هذه الحالة تفكير الرئيس - أو تخطيطه- أو من يحيطون به في استمرار حكمه بطرق وأساليب خارج عن المأموريات الدستورية والتفكير في العودة للرئاسة ولو بعد حين ونتيجة ذلك وأد فكرة التداول السلمي على السلطة ..
- تغذية الخطاب الفئوي والشرائحي وعجز الدولة عن مواجهة الملفات المعقدة المرتبطة بهذا الموضوع ما يجعل البلد يعيش على أساليب من خطاب الكراهة والتطرف وعدم الإستقرار.
وخلاصة الموضوع أن البلد ما زال متخلفًا ولم يبدأ رحلته الحقيقية نحو البناء والتقدم .
وسأعود بإذن الله في مقال منفصل إلى مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد .
وفي هذا السياق أوجه نصيحتين : الأولى إلى رئيس الجمهورية مفادها أن شكرًا على ما قدمت للبلد خلال عقدين. لقد أنجزت إنجازاتٍ تذكر وتشكر كما أسلفنا ولكن الرحلة شاقة وطويلة ومن قال لكم إن البلد تقدم وازدهر فقد حدثكم بما يظن أنه يروق لكم أو ما يهوى هو أن يحدثكم به، لا بالحقيقة المرة .
إذا كانت الرئاسةُ مغرمًا ومكسبًا فحان لغيركم أن يستفيد (وتلك الأيامُ..)، ولو دامت لغيرك لما وصلت إليك ، أما إن كانت مغارم ومتاعب فحق لكم أن تأخذوا قسطًا من الراحة.
وبما أنكم عبرتم عن رغبتكم في عدم ترك المشهد السياسي فإنني أقترح عليكم اقتراحا أراه أشرف وأكثر أمنا للبلد برمته من محاولة العودة للسلطة، وهو أن تؤسسوا منظمة للسلم الاجتماعي تستثمرون فيها علاقاتكم الواسعة التي نسجتم جسورها خلال عقدين من الزمن وتركزوا على العمل على ملفات هامة وخطيرة تحتاج إلى خبرة وحكمة وحرصٍ على الوطن وكل ذلك اكتسبتم منه الكثير خلال فترة رئاستكم. 
توجهوا بنشاط هذه المنظمة إلى الفقراء والمحتاجين وما أكثرهم في هذا البلد.
عالجوا الملفات الاجتماعية الساخنة مثل قضية الاسترقاق ومخلفاته.. 
كونوا عونًا للرئيس الجديد بأفكاركم وآرائكم ونصحكم وأعينوه بخبرتكم وتجربتكم في إدارة البلد خلال سنوات طويلة.
وظفوا في هذه المؤسسة الوزراء والمسؤولين الذين يزينون لكم البقاء في السلطة ويسمعونكم من الإطراء ما يناسب حرصهم على مصالحهم الشخصية، أو هكذا يبدو الامر، وقد سمع من سبقكم أكثر من ذلك وعندما غادر السلطة تفرقت من حوله الجماعة ..
ذكروا الذين يتمسكون بكم حرصا على موريتانيا أن هذا هذا العمل التطوعي هو من أجل موريتانيا لكنه عمل بلا مغانم ولا القاب عندها ستكتشفون الصادق من غيره .
سيكون هذا الخيار أنفع للبلاد وسيمكن من إبعادها عن القلاقل والمشاكل والأزمات.
وستُظهِرون بهذا التوجه عفةً عن السلطة ولم لا تكفيرًا عن أخطاءَ يرتكبها أي بشرٍ كان في موقعكم. 
تذكروا سيادة الرئيس أن مسألة السلطة لا تنتهي هنا فهناك يوم حساب سيُسأل فيه الإنسان العادي عن عمره وماله وعلمه فما بالكم بمن تولى شؤون ملايين البشر، تذكروا ما قاله سيدنا عمر رضي الله عنه : 
( لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها : لِمَ لم تمهد لها الطريق يا عمر )
لذلك أظن أن عقدين من الرئاسة بنجاحها وإخفاقها او ببجرها وعجرها تكفي وتكفي وتكفي . 
أما النصيحة الثانية فهي إلى المعارضة وكل عقلاء موريتانيا.
فبعد تجربة عقودٍ من حكم العسكر وبعد حصيلةٍ متواضعةٍ، حسب تقديري ،استعرضنا جوانب سريعة منها أعلاه حان لنا جميعًا أن نؤسس لنظامٍ متماسك وسليمٍ للتداول السلمي على السلطة، لا مجال فيه للمصالح الفردية ولا الأساليب التقليدية التي ترسخ سيطرةَ المجموعات القوية وتشوه النظام الديموقراطي بإلباسه لبوسًا في ظاهره ديموقراطيةً وفي حقيقته إنما هو استبدادٌ للفردٍ واستبدادٌ لمجموعاتٍ بعينها على حساب أغلب أبناء الوطن.
فالذي نشاهد ملامحه الآن هو استبداد منافق وهو اخطر من الاستبداد المكشوف .
حان للموريتانيين أن يبنوا دولة القانون ودولة المؤسسات والدولة التي يجد فيها كل مواطنٍ فرصته عادلةً غير ناقصةٍ، دولة الإخاء والمحبة والعدل لا دولة الغبن والظلم والشقاق. 
وللوصول إلى هذا الهدف يتعين على المعارضة وجميع عقلاء موريتانيا أن يترفعوا عن الخلافات والخصومات العبثية والموسمية وأن يركزوا على استحقاقات ٢٠١٩ لأنها ليست مجرد انتخابات رئاسية بل هي مرحلة للرهان على مستقبل موريتانيا ، هل تعبر إلى جسر البناءِ والتنمية ودولة القانون وتكافؤ الفرص أم تبقى في نفقٍ مظلمٍ لا ضوء في نهايته لا قدر الله .

الهادي بن محمد المختار النحوي 

سبت, 08/12/2018 - 13:07