شباب مغاربة يحاربون الإدمان بالملاكمة

بكل قوة وحماس، يضرب الشاب وديع بقبضتي يديه في الهواء محدثا دويا ممزوجا بصوت أنفاسه المسترسلة حينا والمتقطعة حينا آخر.

وفي حركات متناغمة تشبه رقصة الأفعى يتراجع خطوة ويتقدم خطوتين، يناور برأسه ويسدد ضربة يسارية متوسطة يتبعها ضربة يمينية قوية تتناثر معها حبات العرق من جبينه كأنه في مواجهة حقيقية على خشبة الملاكمة.

وديع واحد من مئات الشباب الذين وجدوا ضالتهم في هذه الرياضة من أجل العلاج من الإدمان. يرتاد كل يوم صالة التدريب الرياضية في حي شعبي بمدينة مراكش. يسير إليها بخطوات الواثق من نفسه ويردد أن كل ما ضاع من زهرة عمره يمكن أن يعوض.

من يبحث عن سر هذا التحول في حياة هؤلاء الشباب، يجده في تفسير البروفيسور الفاطمي ميلاز الطبيب الاختصاصي في العلاج النفسي، الذي يؤكد للجزيرة نت أن الرياضة أفضل وسيلة للتعامل مع انحرافات الشباب، بل أيضا لمكافحة عدد من الأمراض النفسية التي تصيب أيضا الكبار، مثل الاكتئاب أو الإحباط.

يقول ميلاز إن الإدمان مرض نفسي، لكنه أيضا عضوي يصيب المخ، وبالتالي فإن الرياضة تساعد على إفراز هرمون يزيد الشعور بالسعادة ويقلل الرغبة في التعاطي.

وتشير آخر إحصاءات مديرية الأوبئة ومحاربة الأمراض المعدية إلى أن حوالي 600 ألف مغربي يتعاطون يوميا المخدرات. 

ضربة قاضية
يطلق المدرب يوسف إشارته، فيصطف الشبان على طول القاعة في طابور عرضي "واحد مقابل واحد"، يقلدون وديع بكل ما يلزم من استنفار وحماس زائد. 

كل ضربة من وديع في الهواء أو في يدي مدربه هي صرخة مدوية تخرج من أعماقه يريد بها أن يهزم ماضيه في ذلك العالم الذي كاد يحطم مستقبله.

يقول وديع وهو يعدل قفازيه كمن يريد أن يصوب ضربة قاضية لخصمه "انتهيت من مرحلة وأنا في مرحلة جديدة بفضل مدربي يوسف، وبفضل ما أتلقاه من عنايته أو من الصالة أو في المركز الطبي لمحاربة الإدمان".

حين يقصد وديع الصالة يضع بين عينيه عددا من الشباب الذين مروا من هنا، وكانوا في مثل حاله، ووصلوا إلى العالمية.

يؤكد ميلاز، في رسالة أمل لكل مراهق أو شاب يريد أن يقلع، أن الأمر ممكن جدا، وأنه يتطلب إرادة وصبرا لمدة لا تزيد عن ثلاثة أسابيع يقضيها عصيبة، وبعد ذلك يمكن أن يتجاوز هذه المرحلة التي يزداد فيها العود بقوة.

جواهر ثمينة
ويمر الإدمان بعدد من المراحل، حسب ميلاز، هي مرحلة التجريب التي يشكل المصابون فيها نسبة 6%، ثم مرحلة الانتظام 7% (مرة في كل نهاية أسبوع)، ثم مرحلة التعاطي 4%، ثم مرحلة الإدمان 2.5%.

وينبه ميلاز إلى الفرق بين التعاطي والإدمان، فالأول يهدف إلى البحث عن المتعة، بينما يصل الإدمان بصاحبه إلى درجة البحث عن تسكين الألم.

وحسب الإحصاءات الرسمية نفسها فإن نسبة 70% من المدمنين تتركز وسط الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و28 عاما.

أما يوسف بويطة المدرب الوطني في رياضة الملاكمة فيقول في حديث للجزيرة نت "شغفت بهذه الرياضة وتعلقت بها وأصبحت منهج حياتي، فيومي يمر بين اهتمامي بأسرتي وعملي والنادي والمركز".

يقدم يوسف أبطاله مثل جواهر ثمينة تحتاج إلى من يلتقطها ويمحو عنها ما علق بها من أتربة، ويشرح أن سر نجاح تجربته مع هؤلاء الشباب سواء كمدرب أو كأستاذ في المركز الطبي هو التقرب إليهم وإعطاؤهم كل الحب الذي يستحقونه.

مهمة صعبة
منذ عودة يوسف إلى مدينة مراكش بعد مسيرة حافلة بالبطولات في عالم الملاكمة وهمه الشاغل أن يرى أبناء حيه ممن ساقتهم الظروف إلى الانحراف وهم يعودون إلى جادة الطريق الصحيح.

ما يميز كل مراهق أو شاب هو الاندفاع والوله بالبطولة وحب الاستكشاف، لذا يسلك يوسف طرقا تربوية لإشباع هذه التطلعات، فالملاكمة بحسبه ليست فقط ضربا في وجه الخضم بل هي نبل أخلاق والتزام.

يعترف يوسف بأن مهمته ليست صعبة إذ يؤكد أنها ليست مستحيلة، هو نفسه جرب التعاطي وعرف مساوئه من خلال الاحتكاك بكثير من الشباب، لذلك يعمل جاهدا على إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

ويعتقد ميلاز أن نجاح أي تجربة تمر عبر طريقين، هي التأهيل الاجتماعي من خلال دور الأسرة المحوري وأيضا المدرسة والنادي الرياضي، ثم التأهيل النفسي في المراكز والعيادات المتخصصة.

ما يحز في نفس يوسف أن المجتمع ينظر إلى المتعاطين نظرة احتقار، ويرونهم مجرمين. ويشرح "هؤلاء مرضى يلزمهم العلاج، ونظرة الناس إليهم يجب أن تتغير".

المصدر : الجزيرة

أحد, 09/12/2018 - 12:31