لم يكن محمد ولد عبد العزيز يخفي عدم حبه للشعر والأدب واللغة، إنه من المؤمنين بمن يستخدمون عضلاتهم أكثر من ألسنتهم، وقد أغضب بذلك الشعراء في كثير من المواقف، لم يعرهم أي اهتمام وظل دوماً يصرخ في وجوههم: ما أفسد موريتانيا إلا الشعر !
اليوم يستعد « عدو الشعر » للخروج من القصر، وبدأ الشعراء يبنون أحلامهم على الوافد الجديد، فظهرت مقارنات لا تخلو من طرافة، وإن كانت تكشف مأساوية الوضع الذي تعيشه بلادنا.
في البداية رقص أنصار أحد المرشحين عندما قال عبارته الشهيرة « وللعهد عندي معناه »، يا إلهي ما أروعه من قول صادق ومعبر، جاء بلغة رصينة ومخارج حروف سليمة، والله إنه لخطيب مفوه لا يشق له غبار، ونحن شعب أدمته تأتأة الرؤساء.
بعده بأيام وقف مرشح آخر ليلقي خطابه بلغة شاعرية جميلة، وصرخ الجميع عندما قال: « ليست موريتانيا غنيمة تتوارث، وليس شعبها خولا يمتهن وتتحكم في مصيره إرادة فرد أو جماعة »، لقد كان يزن الحروف بدقة ويتخطفها بما يشبه التجويد، حتى لكأن في خطابه تكلفاً يتجاوز الإلقاء ويقترب من الترتيل.
انقسم سكان هذه الصحراء الإلكترونية إلى فسطاطين، وبدأ النقاش أي الرجلين أكثر خطابة وفصاحة، حتى جاء شاعر يلهث من بعيد يحمل قصاصة ورق كتبت عليها « طلعة » بخط تقليدي جميل، إنه خط هذا المرشح، ألا ترون كيف يرسم الحروف بلمسة فنان، ويمنح الكلمات دلالات بطريقة خطها على الورق، إن الفصاحة في يده كما كانت في لسانه، يقول الشاعر وهو يحس بنشوة النصر.
من وسط الجموع خرج أديب أصلع يغزو الشيب لحيته، أخرج من جيب دراعته قصاصة ورق مهترئة، يبدو أنها رسالة كتبت بخط أنيق وجميل، أكثر حداثة من سابقه ويشبه في كثير من تفاصيل حروفه خط السوريين، إنه يميل إلى خط الرقعة المعروف، قال: ليست يد صاحبكم بأفصح من يد صاحبنا، انظروا إلى خطه الجميل من غير تكلف، والأنيق من دون إعياء.