نجح تحالف «قوى إعلان الحرية والتغيير» السوداني في توجيه رسالة جديدة قوية إلى المجلس العسكري وخاصة الجنرالات المتشددين من أعضائه، مفادها أن انتفاضة الشعب السوداني ماضية بعزيمة لا تكل نحو تحقيق أهدافها في نقل السلطة إلى حكومة مدنية، وإنجاز خطوات الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري المختلفة، والتأسيس المتدرج لنظام ديمقراطي سليم، والوصول بالسودان إلى بر الأمان.
ورغم قطع خدمات الإنترنت وفرض أشكال الحصار المختلفة على طرائق التواصل بين المواطنين، فقد تمكن التحالف الشعبي من حشد عشرات الآلاف في مختلف المدن والبلدات في السودان تحت شعار «مواكب القصاص للشهداء وتسليم السلطة للمدنيين». وهذا عنوان يجمع بين مطلب محاسبة المسؤولين عن مجازر فض الاعتصام في 3 حزيران (يونيو) المنصرم، والتي ذهب ضحيتها قرابة 128 من أبناء السودان، ويحتفظ في الآن ذاته بالهدف الانتقالي الأهم في هذه المرحلة وهو رضوخ الجنرالات للإرادة الشعبية ونقل السلطة إلى هيئات مدنية.
ومن جانبه أثبت المجلس العسكري أنه لا ينوي التخلي عن ممارساته القمعية والاستبدادية التي كشفت عنها الأسابيع المتعاقبة منذ الإطاحة بسلطة عمر حسن البشير في نيسان (أبريل) الماضي، وأن غاية الجنرالات هي استبدال الوجه السابق فقط والحفاظ على ركائز بنية النظام أو إعادة إنتاجها بعد عمليات تجميل طفيفة. ولهذا سقط سبعة قتلى وعشرات الجرحى بعد أن جوبه المتظاهرون بإطلاق الرصاص من جانب عناصر الجيش، في الهواء أو على الأجساد والرؤوس، بعد إغلاق الجسور واقتحام المستشفيات ومقار المؤتمرات الصحافية واستخدام الغاز المسيل للدموع.
ولم يكن غريباً أن تتصدر آلة القمع هذه مجموعات «قوات الدعم السريع» التي يقودها نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الذي سارع إلى الاقتداء بأسلافه من جنرالات القمع والاستبداد في الأنظمة العربية فأطلق أكذوبة وجود قناصة استهدفوا عناصره، وأكد مجدداً أن المجلس العسكري لن يسمح بالفوضى. ومن الواضح أن حميدتي لم يعد يستقوي بالمليارات التي أغدقتها عليه السعودية والإمارات، بل بات اليوم يبحث عن شرعية دولية ويتعاقد بالملايين مع شركات علاقات عامة لتجميل صورته وترويج شخصيته بوصفه الجنرال الأقوى داخل المجلس.
وفي هذه السياقات المعقدة والمتشابكة يتوجب على «قوى إعلان الحرية والتغيير» أن تثابر على اعتماد السياسات ذاتها التي طبعت تحرّكها منذ ابتداء أولى مظاهر الحراك الشعبي، أواخر العام 2018. فمن جهة أولى يتوجب أن تحث أنصارها على التمسك التام بالسلمية وعدم الانجرار إلى أعمال العنف التي ينتظرها العسكر بفارغ الصبر لاتخاذها ذريعة للمضي أبعد وأشرس وأعنف في قمع الحراك. ومن جهة ثانية ثمة ضرورة قصوى لتفهم أوضاع المواطنين المعاشية وغلاء الأسعار وشيوع البطالة وندرة المواد الغذائية، وهذه كلها كانت في صلب تحرّك الشارع أساساً. وأخيراً، وليس آخراً، من واجب التحالف التعاطي بإيجابية ومرونة مع جهود التوسط من جانب الاتحاد الأفريقي والحكومة الأثيوبية، وذلك لقطع الطريق على مساعي المجلس العسكري في إفشال هذه المبادرات وتعطيل المفاوضات.
ولا ريب في أن دروب انتفاضة السودان وعرة وشاقة، ولكنها بإرادة الشعب يمكن أن تعبر النفق وتقود إلى الحرية.
القد س العربي