عُمالٌ يمتهنون التَّعب

ثلاثاء, 2015-05-05 12:50
الكاتب عالي الدمين

تراه يمشي " بكتفٍ مائلة" لأنه يعملُ بكلِّ كدحيّة يسعى بها، على نحوٍ ديمومي إلى تحصيلِ بعض رزق عائلتِه المنسيّة، الكائنة في قعر حيٍّ صفيحي/كزريّ بائس. حين تقدّم للعمل و اشترطَ عليه صاحبُ العمل شروطه اللاّ إنسانية المُضطهدة ماكان منه إلا أن يطرحَ موضوع الكرامة جانباً، فأجلّه إلى فيما بعد، إلى ظرفٍ زمني غير مُحدّد، ربّما يكون زمناً طويلاً، وربّما تفوتُ حياته بطولها دون أن يتحقّق واقعياً. إنَّ موضوع كرامتِه وعائلتِه ليس حديث الآن بالنسبة له. إنه يريدُ قليلاً من الرزق يُبقيه وعائلته على قيد الحياة. هذا  فقط أهم شيءٍ الآن لأنه "بالخبز وحده يعيشُ الإنسان" في حالتِه هذه. بحيثُ أنه سيضحي بحياتِه وصحتِه من أجل ذلك الرزق القليل. وليكُن مايكن ساعتَها. فهو عامِل في دولة الجنرال،  وليسَ له إلا أن يُجاهِد من أجل الحياة، حياتِه وعائلتِه الفقيرة، دون أن ينتظر نصراً كبيراً، يُوفِّر له بعض الغنائم والخيرات. إنها معركةٌ خاسِرة، بمعنى الكلمة. يضيعٌ فيها سيفه ودرعه، ويرجع وحيداً ينصتُ لقلبه يخفق!

**

وضعيّة العُمال عندنا، بكافة مجالاتِ شُغلِهم المُختلفة، في بلاد(نا) الموجعة هذه، حتى الآن لاتبعثُ على التفاؤل والاقتناع. إنهم بجميعهم يُعانون، يتعذّبون، ويشكون بصوتٍ ممبوح. يُقمع من طرف المُتسلِّط حيثما خرج ليندمج في الهواء الحرّ، ويُوّضِح حقيقة حالِه المُبكية علانيّةً لكلَّ صاحب ضمير حي من الناس. لعلَّ حقاً يُحقق، وباطِلاً يُبطَل.
يستاوى، في ذلك الحال المُعاناتي الشديد، عُمال شركات المناجم في الشمال، وغيرها من الشركات الأخرى المُتعدّدة الوظائف، كشركة "بيزورنو" التي لازال المئات من عُمالِها يشكون في خروجهم اليومي للشارع، ويطالبون بأجورهم لشهورٍ مضت، دون جدوى الوعود الرسمية الزائفة. هذا، مع تجاهل نِظام الجنرال عزيز لكلَّ ذلك. وكيف لايتجاهل ويتصامم وهو صاحبُ السبب في كلَّ ذلك الألم الجاري مع عروق جسم البلد؟ إنه نظام صبياني مُخادِع. يرميك بالحجارة، وحينَ تنظر إليه بعين الكاشِف الفاضِح له، يشيرُ بإصبعه إلى جهةٍ ما غيرُ جهتِه، مُحاولةً منه تبرئة نفسه. لكم هي مُضحكة قصة خِدعه الصبيانية؟ لكن يجبُ أن لانضحَك. البكاء أولى هُنا!
لسيت هُناك خدعةٌ تصلح، للاستخدام العذري، هذه المرّة. فالعمال بجميعِهم، على وعيٍ بكارثيّة أوضاعِهم، وحالهُم خيرُ مخبرٍ عن ذلك. فقط شرط ذلك أن تكون هُناك عينُ الرائي فطِنة، لتدركَ الحقيقة عن قرب. حقيقة حالِهم الصادِمة.

إلى متى سيتمرُ هذا الحال؟ إنهم يشعرون وكأنهم يمتهنون التعب عبثاً. جهودُهم تستغلُّ بدناءة ماكِرة. أكتافُهم تُجعل سُلماً لتحقيق مصالح ضيّقة. دون جدوائية نافعة ترجعُ عليهم بذلك كُلّه. نعم إنهم في الحالة هاتِه، يمتنهون التعب. ليس شعورهم هُنا بالأحول، إنه صادِقٌ في كلّه. فقد سلّط ضوء التشخيص المُزعج على عين مُشكل الحال. حالُهم البائس، الواقع في دوّامة من المُعاناة اللاّنِهائية.

***

لقد كانت إحدى مُعوّقات النضال العُمالي. تضحياتِه العمياء بتاريخ صمودِه. والثقة في الجهات الرسمية ووعودِها الزّائفة.  فكان أن خففَّ الضغط، واستبدله بالبشاشة والصمت التصالحي، دونَ أن يرى مطالبه تتحقق بشكلٍ كامِل. ليجلس مع حكومة النّظام على طاولةٍ واحدة، فيحتسي معها قهوتها الباردة و " الغبي هو من يطئمنُ لقهوة الحكومة"، كما يخبرنا الفلسطيني مريد البرغوثي، في سيرتِه الذاتية.
والنتيجة هي دائماً، بعد ذلك، دوام الحالُ على وتيرتِه السابقة الفاسِدة عينها. والدّخول في حالة عدميّة بائسة ترضى بالواقع الكارثي المُعاش، في حالتِه السيئة الكائنة، طمعاً في غاياتٍ صغيرة، على حساب الأهم والضروريّ، المطلوب من طرف جميع الطبقة العُمالية. مايجعل كُلَّ ذلك النّضال الذي خُتِم بتصالح تافِه يفقتدُ الرشاد الواعي بحقيقة الأمور، يصبحُ أشبه بقفزةٍ في ظلامٍ شمولي دامس، لن تتبيّن المعالِمُ المحيط به، ماحلَّ النور، والنّور في حالتِه تلك لن يحلَّ، فزيتُ المصباح أُفرِغ منه باكِراً؛ أي أنه في شكلٍ آخر نِضال خُتِم في غمضة عين باصطيادِ أرنبٍ مريضة، بدلاً من الغزالة، المنشودة منذُ البداية!

إن حالة العبودية، التي يعيشُ العمال، لن تتحوّل، وتتغيّر هكذا بسهولة، مالم مايتسجد على الواقع، نِضال ضخم، ذا أصالة تاريخيّة. يضغطُ على الجهئات الرسمية وأرباب العمل، ماسيجعله يصبح يُمارس تأثيره الضّاغِط على الواقع، من موقع المُمثل المُنافس، لأجل الطبقة العُمالية. المُطالبة بحقوقِها المسلوبة، وظروف عملٍ جيّدة، تُوفِّر لأصحابِها حياةً كريمة، مع ضماناتٍ تأكيدية على ذلك، خوفاً من أيِّ خرقٍ في المُستقبل، أو الحاضر. فالجهات الرسمية وأرباب العمل اللّصوصيين التابعين لها لايكفون عن الاستغلال في أيَّ حالٍ، مالم تصبِح هُناك قاعدة نِضالية صلبة، تستغِلُّ بذاتِها لأجل المصلحة العُمالية، بشكلٍ عام، وتنعدِم فيها حالتي التمييز والخيانة المعروفتان. وهذا هو التحدّي المطروح الآن. أمام الطبقة العُمالية، بكافة جِهاتِها، لتحسين حالها، وتغييره من سوئيتِه الكارثية إلى ماهو أفضل منه.

نقلا عن مدونة الكاتب