دموع الورد!

خالد الفاظل

البارحة تابعت فلمين أمريكين مشوقين؛ الأول منهما كان يتكلم عن خطر ريح مدمرة تجتاج الأرض، ما أثار انتباهي هي لقطات إختاروها بعناية من مناطق عديدة؛ من ضمنها بدوي يركب على جمله في بيداء قفار تأتيه العاصفة ويهرب مذعورا بلا حول ولا قوة، بينما الأمركيون بداخل محطة فضائية أنيقة يحاولون إنقاذ البشرية والسيارة التي يوجد فيها الرئيس الأمريكي ترواغ كل شظايا العاصفة الغاضبة والجسور والعمارات المتساقطة دون إصابتها بأي أذى، شعرت برغبة في الضحك عندما تذكرت كيف جلس الأمريكيون مؤخرا مع طالبان على طاولة المفاوضات لما أرهقتهم جبال أفغانستان. الفلم الثاني أعجبتني فكرته ويتحدث عن قصة حقيقية لشاب أمريكي تطوع للجيش لكنه يرفض حمل السلاح لأسباب دينية ونفسية، ويذهب لمقاتلة اليابانيين الذين يظهرهم الفلم كمتوحشين؛ الشاب ينجو؛ وينقذ حياة الكثير من الجرحى بشجاعة نادرة حتى أنه أسعف بعض أعدائه اليابانيين المتوحشين. عندما ينزل من قمة الجبل تتغير نظرة الجنود إليه وكانوا يصفونه بالجبان، في الجولة الثانية التي ينتصرون فيها يصطفون حتى يكمل دوس صلاته من الكتاب المقدس ليباركهم الرب في معركتهم النبيلة ضد قوى "الشر". على كل حال تظل الدراما الأمريكية رغم إيحاءاتها الواضحة الأكثر حبكة واحترافية وتشعبا في المواضيع التي تشغل الإنسان. أعتقد بأن السينما اليوم من أسرع الطرق بغية إيصال رسائل مختارة للشعوب. لا أنسى كيف وقفت ذات ضحى على قمة جبل كسر الناكة شرق مدينة تيشيت وتأملت الأفق والسهل الأحمر والأبيض؛ ووجدت التضاريس ملائمة لتحويل المخزون الثقافي الغني لهذا البلد إلى أفلام سينمائية تربط الماضي بالحاضر والمستقبل وتجعل الأمريكيين والأتراك والهنود والمصريين والسوريين واللاتينيين يتابعون بشغف المسلسل الموريتاني: "ورطة في ورطة". ولم لا؛ هل تتابعون سينما نوليوود لصناعة الأفلام النيجرية الجميلة والأضخم بعد بوليوود من ناحية عدد الأفلام المنتجة سنويا رغم أنها بدأت أوائل التسعينيات! 

كانت تلكم المقدمة وهاكم بعض التفاصيل:

الدراما التركية بدأت بالرومانسية؛ نور، سنوات الضياع، دموع الورد، الحلم الضائع، وعندما استعذبها الجمهور العربي الفاقد للحنان؛ أخذت تتحول إلى العنف مع مسلسل وادي الذئاب، ثم استعادت بعضا من اللطف والرومانسية وهي تعود للتاريخ مع حريم السلطان، لتنتج بعدها الملحمة الكبرى؛ مع قيامة أرطغل وبداية تأسيس الدولة العثمانية المجيدة.

هل أنتجت الدراما التركية مسلسلا عن البطل الاسلامي صلاح الدين الأيوبي الكردي أو العربي في روايات أخرى، كما فعلت الدراما السورية؟

هل أنتجت الدراما التركية مسلسلا عن أبطال معركة عين جالوت ضد التتار وعلى رأسهم طبعا؛ سيف الدين قطز التركي السني المنحدر من الخوارزميين اتباع السلاجقة قبل تأسيس دولتهم وسقوطها أمام المغول مثلما فعلت الدارما السورية؟

هل أنتجت الدراما التركية مسلسلات عن رموز الدولة الأموية مثلما فعلت الدراما السورية؛ الحجاج بن يوسف الثقفي وعبد الرحمن الداخل وغيرهم؛ وهي تحت حكم العلويين حلفاء إيران وحزب الله؟

هل أنتجت الدراما التركية مسلسلا عن المجاهد عمر المختار الهلالي المنحدر من المناطق الشرقية في ليبيا، كالفلم الذي أخرجه السوري مصطفى العقاد رحمه الله؟

أما ما وصلنا من الدراما الإيرانية فقد ذهب بعيدا إلى الأنبياء حتى لا يضيعوا في تفاصيل التاريخ الإسلامي المتشعبة؛ كما حصل معهم في السياسات الخارجية في المنطقة العربية. أما الأتراك فسياساتهم فتتحرك بالتوازي مع الدراما، بعد مسلسل قيامة أرطغل وجدناهم يتحركون بداخل ليبيا وسوريا، غدا ربما نجدهم يحاولون دخول النمسا بمساعدة حلف الناتو! إننا نحترم الأتراك كثيرا وهم جزء مشرق من تاريخنا الإسلامي لكن نوايا التوسع لم تعد متاحة في زمننا اليوم إلا في الاقتصاد والدراما أما محاولات الأمبرطة فأخنى عليها الذي أخنى على لبد. 

لتفهموا أي صراع معقد يحدث في عالمنا اليوم ودوافعه عليكم بتتبع ثلاثة أمور بتركيز بالغ وبحث مستمر:

- أخبار الاقتصاد وحركة الأموال.

- القراءة المستمرة للتاريخ القريب والبعيد مع أن التاريخ ليس من الأشياء التي تكرر نفسها وهذا ما لا يفهمه الكثيرون؛ من القوميين والإسلاميين على حد سواء! الاستفادة من التاريخ لا تعني إعادة إنتاجه؛ لأن هذا ببساطة مستحيل..

- الإعلام بشقيه؛ الاخباري، والدرامي(مسلسلات وأفلام) لكون الدراما هي الوسيلة الأفضل للتوغل في وجدان المنتج لقراءة أفكاره ومعرفة نظرته للآخر.

وتبقى العواطف الدينية والقومية أسهل وأسرع محرك لجميع الصراعات مهما كانت طبيعتها وأهدافها المبطنة والمعلنة؛ رغم أن الصراع إذا لم يكن هدفه السلام ورفع الظلم يعتبر آثما وكل أرض أهلها أدرى بشعابها...

هنا لكصر. وجدتني صبيحة هذا اليوم؛ استحضر مسلسل دموع الورد عندما شممت رائحة عواطف قديمة اختلطت برائحة زيوت السيارات التي حولت مناطق كبيرة من هذه المقاطعة العريقة والجميلة إلى بقع سوداء ذات تربة دسمة، يا عيب الشوم على المجموعة الحضرية والحكومة على حد سواء.

الساعة 13:09 وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

خميس, 05/03/2020 - 17:01