ملامح الآثار الاقتصادية لأزمة "كورونا" في موريتانيا 

ملامح الآثار الاقتصادية لأزمة "كورونا" في موريتانيا (المصدر:الصحراء)

يتواصل انتشار فيروس كورونا على مستوى العالم متسبّبا بآلاف الوفيات وعشرات الآلاف من الإصابات وإثارة الكثير من الرعب والهلع والخسائر الاقتصادية الهائلة.

دول عديدة أعلنت عن خطط طوارئ اقتصادية لمواجهة هذه الأزمة الأكبر، على مستوى انتشارها وحجمها، في العالم منذ حوالي قرن. 

في موريتانيا لم ينتشر الفيروس بعد، فهناك فقط حالتان واردتان من الخارج وتم التعامل معهما صحيا، كما اتخذت الحكومة جملة من الإجراءات الاحترازية والوقائية لضمان عدم انتشار الفيروس أو حتى انتقاله إلى داخل البلاد.

 

أزمة طاحنة لطبقات هشّة أصلا

 تبدو الأثار الاقتصادية للفيروس قد حصلت بالفعل فهناك مخاوف جديّة من عدم توفرّ المواد الأساسية للمواطنين وكذلك تضرر مصادر دخل بعضهم بالإضافة إلى تضرر عدد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من الوضعية الحالية. 

أول هذه الآثار السلبية للمخاوف من انتشار الفيروس هو نقص تموين السوق المحلية من المواد الأساسية خاصة الغذاء والدواء والمحروقات. وذلك في ظل إغلاق الحدود الجوية والبرية وتأثر مختلف دول العالم بهذا الفيروس مما سيؤثر سلبا على حركة التجارة العالمية ويجعل كثيرا من الدول المنتجة تركز على أسواقها المحلية بالدرجة الأولى. 

كما أن عشرات الآلاف من المواطنين الذين كانوا يكسبون قوتهم بشكل يومي من التجارة والخدمات سيخسرون مصادر رزقهم في ظل حظر التجول وإغلاق المنافذ الحدودية والأسواق كما ستتأثر حركة النقل للأشخاص وكذلك صغار الباعة والباعة المتجولين. وهي وضعية صعبة تحتاج للفتة خاصّة عندما نستحضر أن 30 بالمائة من الموريتانيين يعيشون تحت خط الفقر معظمهم في العاصمة نواكشوط. 

 

انتكاسة لاقتصاد في طور التعافي

لن يقتصر تأثير الأزمة على هؤلاء فقط بل سيشمل الكثير من المؤسسات والشركات الصغيرة والمتوسطة في عدد كبير من المجالات خاصّة التجارة والخدمات وقد يصل الأمر إلى إفلاس بعض هذه المؤسسات بشكل تام وتسريح عمالتها.

والاقتصاد بشكل عام سيتأثر سلبا بهذه الوضعية خاصة أن قطاع الخدمات كان رافعة أساسية من رافعات النمو، حيث يعد هذا القطاع أكبر القطاعات ويمثل حوالي 40 بالمائة في البنية القطاعية للاقتصاد الموريتاني. وهو ما يعني بالتأكيد أن الاقتصاد لن يحقق نسبة النمو التي كانت متوقعة وهي 6 بالمائة. كما أن المالية العامّة ستتأثر بفعل عبء الأزمة المالي. 

 

خطة طوارئ اقتصادية لمواجهة الوضعية

على أن معالجة هذه الوضعية تتطلب تدخلا حكوميا عاجلا من خلال خطة استعجالية تضمن استمرار حصول المواطنين على حاجتهم من الغذاء والدواء وغيرهما من الأمور الأساسية بالإضافة تعويض المتضررين من انقطاع مصادر عيشهم. وكذلك مساعدة القطاع الخاص وضمان ألا تفلس أي مؤسسة أو شركة أو تسرح عمّالها بشكل جماعي مما يفاقم أزمة البطالة المستفحلة أصلا. 

 

وتتجسد هذه الخطة في جملة من الإجراءات من أهمها: 

- توفير اعتمادات للموردين لتزويد السوق المحليّة بالمواد الأساسية بالشكل الكافي وتخفيف العبء الجمركي عليهم؛

- إحصاء المتضررين، واستفادتهم من دعم عيني ومالي في إطار برنامج التحويلات النقدية التابع لوكالة تآزر؛

- تخفيف الضرائب أو تقسيطها عن الشركات لمساعدتها في الاستمرار والاحتفاظ بعمالتها؛

- إنشاء صندوق لتمويل مشاريع زراعة الخضروات والصناعة التحويلية للمنتجات المستخدمة بكثرة في السوق المحلية؛

- فتح خطوط ائتمان لصالح البنوك المحلية لتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة ومساعدتها على مواجهة الأزمة؛

- مراجعة البنك المركزي لأسعار الفائدة ودراسة تعليق سداد أقساط القروض لفترة محدّدة.

ويبقى السؤال الأكبر من أين يمكن للحكومة أن تأتي بالتمويل؟ هناك عدد من الإجراءات يمكن أن تساعد على توفير التمويل لخطة مواجهة أزمة كورونا، ومن بينها:

- منح الأولوية لبرامج التدخل العاجلة على حساب برامج أخرى بما فيها مشاريع البنية التحية

- إنشاء صندوق يستقبل تبرعات الدول والمؤسسات بما في ذلك مساهمة كبريات الشركات المحلية

- مفاوضة الدائنين لتعليق دفع أقساط الدين خلال الأشهر المقبلة 

 

وللأزمة أبعاد إيجابية كذلك..

ومع ذلك فإن الأزمة ستكون لها آثار اقتصادية إيجابية من بينها تشجيع زراعة الخضروات والمحاصيل الزراعية المستهلكة محليا وتقليل الاعتماد على ما يأتي من خارج الحدود إلى جانب الصناعة التحويلية لتعويض ما يستورد من دول أخرى. 

وسيكون لتراجع استهلاك المستلزمات والمنتجات الكمالية أثره الإيجابي على الميزان التجاري وبالتالي على ميزان المدفوعات وهو مؤشر اقتصادي مهم. هذا بالإضافة إلى تشجيع استخدام تكنولوجيا الاتصال في مجالات التجارة والخدمات والتعليم وغيرها من مناحي الحياة وهو ما سيدفع نحو مزيد من تحديث النسيج الاقتصادي وانتعاش شركات التكنولوجيا الناشئة والاقتصاد التكنولوجي بشكل عام.

مركز الصحراء

ثلاثاء, 24/03/2020 - 17:08