حماية الحدود أجدى

عثمان جدو

عشية إعلان منظمة الصحة العالمية أن منحنى تفشي فيروس كورونا في إفريقيا آخذ في التصاعد؛ وهي القارة ذات الدول الضعيفة والفقيرة... نفس اللحظات هي التي يستبعد فيها المعهد الأمريكي للأمراض المعدية إنتاج لقاح للفيروس قبل الخريف أو الشتاء المقبلين؛ وهو المعهد الذي تعيش بلاده –الولايات المتحدة الأمريكية- وضعا صحيا صعبا من خلال عدد الوفيات وعدد الإصابات المسجلة والنشطة في آن واحد؛ وهي الدولة الأقوى في العالم والأكثر تقدما في مجال الصحة وأبحاثها والأقدر ماديا على التجهيز والمجابهة؛

في ظل ذلك كله وفي ظل معاناة أغلب دول العالم بفعل هذا الفيروس، الذي هز كياناتها الصحية وضرب خُيلاءها الحضاري وزهوها التقدمي، وأظهر ضعف دعاة القوة والحصانة؛

تعيش بلادنا مع دول قليلة حالة حمد وطمأنينة من تداعيات وأصداء هذا الفيروس، وهو الحال الذي لا ينبغي أن يغتر به القادة ولا المواطنون، فبلادنا جنبها الله خطر هذا الفيروس بعد أن زارها منه طيف جعله الله بفضله سلاما؛ مقارنة مع الآخرين؛ وأعاننا عليه بإجراءات وُفِقت إليها وزارة الصحة بعد تدخل وتأطير في محله من رئيس الجمهورية وتكاتف جهود باقي الوزارات المعنية بالموضوع أكثر.

صحيح أن علينا تكرار حمد الله تعالى وشكره بأن لحظات تفشي وحركة هذا الفيروس واجتياحه للعالم مرت بنا في ظرف رزقنا فيه بقيادة تختلف عن غيرها حكمة ووعيا وتبصرا، وأعانها الله بجهاز فني يضم بعض الخُلَّص الموفقين فيما عُهد إليهم به وفي ما عمدوا إليه من إجراءات وخطوات مصاحبة؛ وكل ذلك من فضل الله وتوفيقه قبل كل شيء، فلو أن ما حصل كان في ظرف آخر، لَرُبَّما وجدنا أنفسنا في وضع مختلف قوامه التنافس التجاري اللامشروع –قبل كل شيء-  واستغلال الظرف الطارئ من أجل الثراء بتسخير الوسائل المستخدمة لمواجهة الجائحة..

إن على قادتنا تشديد العزم وتجديد آليات الحزم لضبط وسائل الأمان أكثر، ولعل أهم ذلك في هذا الظرف هو حماية الحدود؛ خاصة مع الجارتين الجنوبية والشرقية، فهذان البلدان يشهدان تصاعدا مخيفا في منحنى تفشي الفيروس في ظل عجز واضح عن احتوائه أو شل حركته، وفي ظل عمد مباشر من سلطات هذين البلدين إلى تخفيف الإجراءات والقيود الاحترازية وما صاحب ذلك عندهم من فتح للأسواق والمساجد والاستعداد لعودة الحياة إلى طبيعتها؛ التي لا يمكن أن يستمر تعطيلها دون بديل يصعب توفيره وتلبية اشتراطاته المكلفة، وطبعا هم يدركون ما لعودة الحياة إلى طبيعتها في ظل تفشي الفيروس من ضريبة بشرية محتملة في زيادة الإصابات وكذا عدد الوفيات؛

أما والحالة في دول الجوار هذه، فإنه أصبح من اللازم حماية الحدود إجمالا بالكلية ومع هذين البلدين خاصة بشكل أكبر وأحوط، وعلى هذا فلماذا لا توجه الطاقات العسكرية والأمنية الموجودة في انواكشوط وباقي المدن إلى الحدود؟، ومعروف أن هذه التشكيلات مكلفة أساسا في الوقت الحالي بمتابعة حظر التجول الذي أصبح ثانويا مقارنة مع حفظ الحدود البرية الذي يعد الآن أولوية وعليه تتوقف جدوائية كل الإجراءات السابقة.

من المهم جدا إعادة النظر في فتح الطريق بين الولايات وتجديد وتشديد إغلاقها مع الحدود والمنافذ بحرية كانت أو برية مع إمكانية معالجة مشكل العالقين معالجة تجعلهم في أمان أكثر في وطنهم بتتبع الإجراءات اللازمة والحازمة المصاحبة لأي قرار يُتّخذ، فبالإمكان مثلا إجراء الفحوصات والحجر على من يكون لدخولهم أولوية على بقائهم خارج البلاد، وعلينا أن ندرك أن الوضع خارج البلاد مختلف تماما عن داخلها، فلذلك يجب فصل أمرين أحدهما يتعلق بغلق الطرق بين الولايات الذي بموجبه أصبح التسلل يذكر والمضاربة حوله تشتهر، سواء كانت وسيلة التجاوز تشريع طبي لغير محتاجه أو مرافقة حمولة ممن ليس بحمال!.

من الممكن إجراء الفحوصات الضرورية للوافدين من الولايات الداخلية قبل مغادرتها وعند وصولهم للوجهة المقصودة، وهم مع ذلك كانوا بين ظهراني القوات المسلحة الوطنية والسلطات الصحية المحلية والحاضنة الاجتماعية التي ثبت والحمد لله أنها ترفض إيواء أو التستر على كل من يشتبه في صحته أو وفادته، وفي المقابل لا ينبغي التساهل مطلقا مع العابرين؛ وما قصة سائق الشاحنة المغربية بالتي يمكن أن تمر دون ذكر وتنبيه، وهي القصة التي تناولتها المواقع المحلية حول تأكيد إصابة ذلك السائق القادم من مالي عند وصوله الحدود المغربية..  إن صح الخبر فإنه يلزم تشديد الرقابة على هذه الشاحنات من خلال المرافقة الأمنية اللصيقة التي تُحرِّم على العابر مخالطة المواطنين عند نقاط التوقف مهما كانت الدواعي والأسباب، ويجب في هذا المجال اتباع الخطوات التي اتبعتها السلطات ونقلتها لنا وسائل الإعلام الرسمية سواء في مدينة انواذيبو أو انواكشوط من خلال مرافقة هذه الشاحنات وإلزام سائقيها بالبقاء فيها حتى إفراغ حمولتها ثم عودتهم إلى حيث أتوا مع رفقة أمنية تضمن عدم إخلالهم بشروط العزل وعدم مخالطة أي مواطن.

بقي أن  نشير إلى أن تصريحات الهيئات والمنظمات الصحية لحد الساعة تؤكد أن هذا الفيروس *كورونا* معقد جدا وفتاك، وعلينا أن نُقيِّد النِّعم الصحية التي وهبنا الله في وجه طوفانه، ونلتزم بكل أنواع الاحتراز، ولا نتهاون في ذلك أبدا، ونلزم الدعاء والإنابة إلى الله في شهر الرحمة والتكافل عل وعسى ذلك الفيض الرباني والحماية الإلهية تلازمنا ونظل بها نحتمي.  

خميس, 14/05/2020 - 12:04