بين الكسكس والعيش :

 الشيخ معاذ سيدي عبد الله

قال أهل العيش :
متى تكهنت يا عامر؟ من غلبته الدنيا يقول : جاءت الآخرة، أتعدّون العيش أن الكسكس طارده عما قريب؟ إن هذا لشيء عجيب. لقد أحدثتم دويا، بقولكم كاد العيش أن يكون بدويا، كلا فمن ادعى أن العيش ينافي الحضارة أو تنافيه فقدَ كلمة تخرج من فيه، فالعيش صالح لكل زمان ومكان، متكيف مع متطلبات النظام والزمان، مع أن البداوة التي عبتموه بها في الحقيقة ليست بعيب (..) ولو لم يكن للعيش إلا قول الشاعر لكان كافيا :

أبت أذني أن أسمع قول واش == يقول العيش أحسن للمعاش

ومن داعٍ إلى الشركاش يدعو == له ميلٌ إلى الشركاش ناش

دع الإكثار إن العيش أحلى == من أنواع المعاش ولا أحاشي

وكل حلاوة لسواه كانت == سخاء مقتر وسنام حاش

وما يدعونه بالعيش إلا == لكون عشائه غير المعاشي

ومن قد قال كسكس منه أحلى == ليمش مذمما إن كان ماش

قال أهل الكسكس :

وأنتم أما سمعتم قول أحد الأدباء على لسان الكسكس، فلقد أفاد وأجاد :

أنا الكسكس الجعد الذي تعرفونه == صبيحا مليحا أنور المتجرد

تلذ لذي الألباب رؤية طلعتي == ولثمهم خدي وتقبيلهم يدي

ولي في قلوب العارفين أولي التقى == هوى ما هوى ما ازداد العمر يزدد

وإن تبغني في حلقة القوم تلقني == وإن تقتنصني في الحوانيت تصعد

إذا جئت جاء الحق أبلج واضحا == فلا دد مني ولا أنا من دد

وقول آخر :

لسنا نعيب العيش لكننا == نقول كسكس هوالأفضل

وإن في طبخهما شاهدا == لذا فذا يعلو وذا يسفل

وقول الآخر في العيش :

إذا لم تجد شيئا سوى العيش فالتمس == غذاء سواه لا غذيت حراما

فإنك لا تسطاع أكل جهنم == إذا لم تكن بردا عليك سلاما

فشرب إدام والنجاة من اللظى == أخف وأولى لا عدمت أداما

وإن يكن العيش الذي نلت باردا == فذلك عيش بات ظل وداما

فلا خير فيه فهو يورث مَحْوَرًا == إذا انتاب شخصا لا يذوق مناما

فتوبوا إلى الله توبة المتقين وانظروا إلى إلهكم الذي ظللتم عليه عاكفين.
وهذا آخرها سنقول لكم وعليكم السلام وهديتم الصواب .

محمد فال ولد عبد اللطيف : رسالة الفيش بين الكسكس والعيش - ط 2 - ص 26 - 27

جمعة, 12/06/2020 - 09:18