«السجون السرية» في اليمن لم تعد سرية أبدا…

محمد كريشان

السجون السرية في اليمن لم تعد سرية أبدا !! لأنها تكاد تتحول إلى نكتة «المطار السري» في مصر خلال الستينيات. الكل يتحدث الآن عن هذه السجون السرية بين مؤكد وناف ولكن في نهاية المطاف من أولى وأجدر من وزير داخلية في أي بلد من العالم ليقطع الشك باليقين؟!!
ها هو وزير الداخلية اليمني أحمد الميسري يدعو إلى إغلاق بعض السجون في بلاده وضرورة إخضاعها للنيابة، بعد كل الضجة التي أثارتها تقارير دولية عن سجون سرية خاضعة لدولة الإمارات والقوات الدائرة في فلكها في محافظات جنوب اليمن.
ما الذي يدعو وزير داخلية إلى إثارة هذه القضية إذا لم يكن لها أساس… بل ما الذي يدعوه أصلا إلى إثارتها لدى استقباله مسؤولة حكومية إماراتية… وما الذي يجعل وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) التابعة للحكومة الشرعية، تنقل عن لسانه تأكيده خلال لقاء مع وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي الإماراتية، ريم الهاشمي، على «ضرورة إغلاق السجون والعمل على خضوعها للنيابة والقضاء، واستكمال معالجة ما تبقى من أمور وإشكاليات في هذا الملف».
لو كان هذا الموضوع مفتعلا وكاذبا لما أثاره رجل في مسؤولية وزير داخلية، ولو كان الموضوع يخص دولة أخرى غير الإمارات لخاض فيه الوزير مع مسؤول ليس من هذه الدولة، ولو كان يراد للموضوع أن يبقى طي الكتمان لما أخرجته وكالة رسمية خارج جدران القاعة التي تم فيها الاجتماع. ولو لم يكن هناك حرص على عدم استعداء أبو ظبي بشكل مفتوح لما جاء في صياغة خبر الوكالة اليمنية القول إن الوزير اليمني شدد خلال اللقاء على «ضرورة توطيد ورفع مستوى الشراكة بين البلدين في المجال الأمني، وذلك تأكيدًا لنتائج زيارته للإمارات، ولقاءاته مع القيادات الأمنية، وما تمخض عنها من تفاهمات لتطوير أداء العمل الأمني في المناطق المحررة» في إشارة توحي إلى أن قضية السجون السرية الإماراتية في جنوب اليمن قد يكون وقع الخوض فيها لكن الوزير لم يلمس إلى حد الآن ما يوحي بقرب حلها لهذا أخرجها إلى العلن. 
وفضلا عن كل ذلك، فإن ما عجـّـــل بالوزير اليمني إلى «بق البحصة»، كما يقول اللبنانيون، هو تبرع نائبه اللواء علي ناصر لخشع قبل بضعة أيام إلى نفي كامل للقضية. لهذا جاء كلام وزير الداخلية ليجبّ ما قبله ولينسف الادعاء بعدم وجود سجون غير تابعة لوزارة الداخلية، إذا شئنا عدم استعمال كلمة سجون سرية كما كشف ذلك بالدليل والشهادات تقرير لوكالة «أسوشايتد برس»، وليدحض أيضا تصريحات إماراتية في نفس الاتجاه أبرزها ما قالته بعثة دولة الإمارات لدى الأمم المتحدة في جنيف من أن «السلطات اليمنية هي التي تسيطر بالكامل على أنظمة الحكم والسجون المحلية والاتحادية، وأن «الإمارات العربية المتحدة لم تقم أبدا بإدارة السجون أو مراكز الاعتقال السرية في اليمن»، إلى جانب اعتبار وزير الدولة الاماراتي للخارجية أنور قرقاش الأمر برمته مجرد كذبة.
وزير الداخلية اليمني نسف كل كلام آخر سواء لمسؤولين يمنيين أو إماراتيين سعوا قدر جهدهم لنفي قصة السجون السرية وما سببته من حرج دولي كبير. لقد قطع الميسري الشك باليقين، مع انتقاء حذر للكلمات حتى لا يقطع شعرة معاوية مع الإماراتيين المضطر للتعامل معهم لحل هذه القضية. لقد دعت منظمات حقوقية أبرزها «العفو الدولية» إلى التحقيق في هذه القصة التي لو كانت ملفقة فعلا لسمح للمنظمة بالقدوم فورا لتكتشف بنفسها زيف ما يساق ضد الامارات لكن شيئا من ذلك لم يحدث، مع الاكتفاء بترديد النفي والشكوى من التشويه. 
شيء واحد يثير الشفقة، بعد كلام وزير الداخلية، هو هذا الطابور من «المحللين والخبراء» اليمنيين الذين تأتي بهم قنوات تلفزيونية حريصة على دفع التهمة المعيبة في حق أبوظبي، فها هو أحدهم يقول لإحدى هذه القنوات إن «قضية السجون السرية هي قضية مفتعلة لا وجود لها في الواقع وهي عبارة عن فقاعة صنعها الإعلام القطري بالتعاون مع الإعلام الإيراني لخدمة الحوثيين لدى المجتمع الدولي»، وأن هناك «منظمة صغيرة استلمت 200 ألف دولار كدعم قطري على مشروع وهمي، والحقيقة هي أن هذه الأموال كانت مقابل الترويج لقصة السجون السرية الكاذبة والحديث عنها»… وها هو آخر يقول إن «قطر وإيران المتحدتين ضد اليمن هما من صنع مثل هذه الأكاذيب عن طريق أذرع ومنظمات يتخفى بعضها بغطاء الشرعية»، وأن «الإعلام القطري أنتج أفلاما وثائقية ليس لها أي أساس من الصحة في محاولة لطعن التحالف العربي وقوات الشرعية». 
معيز ولو طاروا….

القدس العربي

خميس, 12/07/2018 - 08:42