هل يتعرض العرب لمؤامرة كونية كبرى؟

محمد الأمين ولد الفاضل

أقولها بكل مرارة وألم لقد تحولت أمتنا العربية إلى أمة فاشلة، ومما يؤسف له أن العرب لا يأخذون العبر ولا يتعلمون من فشلهم، ذلك أنه مع كل محطة فشل جديدة، يتم تشغيل الأغنية القديمة الجديدة التي تقول بأن العرب يتعرضون لمؤامرة كونية كبرى!

إن أسوأ ما في هذه الأغنية المشروخة التي تتجدد مع كل محطة فشل، هي أنها تمنع الأنظمة العربية وكذلك النخب العربية من المحاسبة الذاتية، ولا يمكن للعرب أنظمة نخبا، أن يتجاوزوا واقعهم المرير إذا لم تكن هناك محاسبة ذاتية حقيقية، يتبعها عمل جاد لتصحيح كل الأخطاء التي أدت إلى هذه الهزائم المتتالية.

 انشغل القادة الأتراك في العقود الأخيرة في بناء دولتهم، فتمكنوا من أن يصعدوا بها إلى مصاف الدول المتقدمة اقتصاديا وعسكريا، وانشغل كذلك القادة الإيرانيون ببناء دولتهم، ثم بدأ الأتراك والإيرانيون يفكرون في التوسع والتمدد تحقيقا لمصالح بلدانهم، وكان من حسن حظهم أن وجدوا عن أيمانهم وعن شمائلهم بلدانا عربية فاشلة مستباحة الأرض والعرض.
صعدت إيران وتركيا في وقت انشغل فيه القادة العرب في تدمير بلدانهم، وفي الدخول في حروب وصراعات ومؤامرات بينية بلا أول ولا آخر، وفشل العرب حتى في الحفاظ على الحد الأدنى من التنسيق فيما بينهم، فاختفت الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي والاتحاد المغاربي، ولم يبق لديهم من تنسيق ومن عمل عربي مشترك إلا أن يتآمر بعضهم على بعض، أو يتآمر هذا القائد أو ذاك على شعبه، فكان من الطبيعي جدا أن يعم الخراب في بلاد العرب، وكان من الطبيعي جدا أن يبرر القادة العرب وبعض النخب التي تدور في فلك القادة ذلك الخراب بما يُحاك من مؤامرات كونية كبرى ضد العرب.

إن أخطر من تآمر على البلدان العربية ـ وهذه حقيقة يجب أن تقال بأعلى صوت ـ  هم القادة العرب وبعض النخب العربية التي تدور في فلك القادة، وبطبيعة الحال فقد استغل العالم ذلك، فتآمر على هذه البلدان التي تآمر عليها قادتها، الشيء الذي أدي في المحصلة النهائية إلى أن العرب وجدوا أنفسهم في نهاية المطاف يتعرضون لمؤامرة مزدوجة يشارك فيها قادتهم، وكل القوى العظمى في العالم، وكذلك دول المنطقة التي تسعي لأن تكون قوى إقليمية في المنطقة، ولا يمكن لهذه الدول أن تلام إن هي بحثت عن مصالحها في بقعة من العالم أنعم الله عليها بثروات هائلة وبمقدرات كبيرة، ولكنها ابتليت في الوقت نفسه بحكام طغاة، ظلموا الشعوب، وحاربوا الأشقاء، وهادنوا الأعداء، وخاضوا معاركهم مع العدو الصهيوني بمفرقعات صوتية وبشعارات زائفة وكاذبة.  
ماذا يمكن أن يفعل العرب اليوم في ليبيا، وماذا يمكن أن تفعل مصر بالذات وهي المهددة في مواردها المائية، وجيشها العظيم منشغل في حربه الداخلية مع الشعب. إن مصير ليبيا ستحدده تركيا والروس وبعض دول الغرب، ولا شأن للعرب بهذا الملف، وقول هذا مؤلم، ولكن هذه هي الحقيقة التي لابد من قولها. ألم تغب سوريا (نظاما ومعارضة) عن نقاش التطورات التي عرفتها إدلب السورية في شهر مارس من هذا العام؟ ألم تغب سوريا عن بقية الملفات الأخرى، وتُرك نقاش تلك الملفات للروس والأتراك والإيرانيين؟

تتمدد إيران في العراق واليمن وسوريا ولبنان، وتتمدد تركيا في سوريا وليبيا، وربما يتسع التمدد إلى بلدان أخرى، ومع ذلك فلا يتوقف العرب قادة ونخبا عن ترديد عذرهم الذي هو أقبح من ذنبهم، وذلك بقولهم بأنهم يتعرضون لمؤامرة كونية كبرى!

إن أخطر مؤامرة تعرض لها العرب هو أنهم أدمنوا على تبرير هزائمهم بما يتعرضون له من مؤامرات كونية كبرى. 
صحيحٌ أن كل دول العالم تبحث عن مصالحها، وهذه مسلمة لا تحتاج إلى دليل أو إثبات، فالعلاقات بين الدول لا تحكمها الأخلاق، ولا مجال للرحمة والشفقة في هذه العلاقات، ولا توجد دولة في هذا العالم إلا وهي على استعداد لأن تتآمر على دولة أخرى لتحقيق مصالحها، إن وجدت الفرصة لذلك، ويعني هذا الكلام بأنه من السذاجة بمكان أن نتوقع من إيران أو تركيا أو أي دولة أخرى في العالم أن تتردد ولو للحظة في التدخل بحثا عن مصالحها كلما تحولت إحدى الدول العربية إلى دولة فاشلة ، فمن يريد أن يمنع تركيا وإيران ومن قبل ذلك ومن بعده أمريكا والروس من التدخل في البلدان العربية عليه أولا أن لا يتآمر على بلده، وأن لا يترك بلده فريسة مستباحة في عالم مليء بالذئاب والسباع.

إن حال العرب سيبقى يسير من السيئ إلى الأسوأ إذا ما ظل القادة العرب يبطشون بشعوبهم ويتآمر بعضهم على بعض، وإذا ما ظلت بعض النخب العربية تمجد أولئك القادة، وتردد معهم أغنيتهم المشروخة التي تقول بأن العرب يتعرضون إلى مؤامرة كونية كبرى. وماذا أعددتم أنتم ـ أيها العرب ـ لمواجهة هذه المؤامرات الكونية الكبرى التي تحاك ضدكم؟ إنكم لم تفعلوا شيئا غير توفير الأرضية الصالحة والظروف المناسبة لنجاح تلك المؤامرات.

إن أخطر مؤامرة يتعرض لها العرب هي تلك المؤامرة التي يقودها القادة العرب ضد شعوبهم، وتلك التي يقودها بعضهم ضد البعض الآخر، وإذا لم يتوقف بطش القادة العرب ومؤامرات بعضهم على بعض، فسيعني ذلك بأن العرب سيكونون على موعد متجدد مع المزيد من الهزائم والانتكاسات.

حفظ الله بلاد العرب...

ثلاثاء, 23/06/2020 - 08:57