لبنان بين الحياد والانهيار

رضوان السيد

جاء وزير الخارجية الفرنسي لودريان إلى لبنان ليكرر ما سبق أن قاله في عدة مناسبات: الوضع في لبنان شديد الخطورة على حياة الناس واستمرار الدولة. وبيد الحكومة اللبنانية فرصة أو فُرَص للخروج من المأزق، لكنها تضيق وتتراجع. لا بد من إصلاحات جذرية تبدأ بملف الكهرباء، وضبط المعابر، وعدة أمور أُخرى سبق للوزير الفرنسي وللبريطانيين، والألمان، وممثلي صندوق النقد الدولي ومسؤولين دوليين وعرب، أن كرروها على مسامع اللبنانيين. والمداخل الإصلاحية الضرورية هذه، هي التي تفتح الطريق لأصدقاء لبنان للإطلال على مشكلاته والإقبال على مساعدته، سواء عن طريق مؤتمر سيدر، أو قبل ذلك عن طريق صندوق النقد الدولي. أيها اللبنانيون، ساعدوا أنفسكم بالإصلاح، لكي يستطيع أصدقاؤكم مساعدتكم!

بيد أن المأزق الاقتصادي الحالي الفظيع، ما كان وحده هو الذي يشغل الوزير الفرنسي الزائر. فالوضع مشتعل بين إيران وإسرائيل في سوريا، والغارت الإسرائيلية صارت شبه يومية وفي الشهر المقبل (أغسطس) يحين أوانُ التجديد للقوات الدولية في الجنوب اللبناني، والأميركيون يهددون بعدم الموافقة على ذلك؛ لأنهم يرون أنّ لبنان لا يلتزم حقاً بالقرار الدولي رقم 1701 الذي يحظر وجود سلاحٍ جنوب الليطاني، في حين تشير كل التقارير إلى تكاثر ذلك السلاح في المنطقة المحظورة في السنوات الأخيرة بالذات.
وبالنظر للمخاطر الناجمة عن الاشتباك في سوريا، وإمكان نشوب اشتباكات في جنوب لبنان أيضاً، كان على الوزير الفرنسي بعد التحدث إلى المسؤولين اللبنانيين، زيارة البطريركية المارونية في بكركي للتحدث إلى البطريرك الراعي الذي أطلق مبادرته بشأن تحييد لبنان عن النزاعات والمحاور، تجنباً للمزيد من الانغماس في حروب المنطقة، والتي قادها «حزب الله»، انطلاقاً من لبنان، في سوريا والعراق واليمن وغيرها.. إلى بلغاريا والأرجنتين وفنزويلا!

وإذا أضفنا إلى ذلك كلّه اعتزام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الإعلان عن قرارها في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 7 أغسطس المقبل، والذي صار معروفاً أنه يتضمن اتهام أربعة من «حزب الله» بجريمة الاغتيال في 14 فبراير عام 2005، يصبح يقيناً بأنّ لبنان يقف الآن على صدْعٍ زلزالي، الأصل في انفلاقه التحالف القائم بين المافيا السياسية والميليشيا المسلَّحة، والذي أدى إلى حالتي الحصار والانهيار بكافة وجوههما، واللتين يعاني منهما لبنان أشدَّ المُعاناة!

وتحاول فرنسا في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون أن تعود الأُمَّ الحنون للمسيحيين اللبنانيين وللنظام والدولة اللبنانيين. ففي هذه السنة (2020) تمر مائة عام على إقامة فرنسا لدولة لبنان الكبير عام 1920. وبعد مائة عام من ذلك التاريخ، ها هو لبنان يجد نفسه عرضة لتهديدات وجودية، بتزاحم الأزمات السياسية والاستراتيجية والأمنية والاقتصادية والمالية عليه. ويعتقد البطريرك أن سائر القطاعات اللبنانية الأساسية، التي أقامها المسيحيون بالدرجة الأولى، تتساقط تباعاً، من المصارف إلى المستشفيات، ومن المدارس إلى الجامعات. والهجرة تتكاثف في صفوف الطبقة الوسطى المسيحية، بعد أن هربت رؤوس أموال كبيرة وكثيرة للخارج. الوزير الفرنسي قال إنّ فرنسا ستقدم مساعدات للمدارس الخاصة ذات التقاليد الفرنسية، بما في ذلك المدارس الكاثوليكية. ورئيس الحكومة اللبناني طالب الوزير بتقديم مساعدات لقطاع التعليم الرسمي أيضاً!

المعلِّق في صحيفة «لوموند» قال: أليس ذلك كله كثيراً وكبيراً على فرنسا؟! ألا يكفيها تقديم المساعدات الإنسانية! وقد زار الوزير الفرنسي مؤسسة «عامل» الناشطة في جنوب لبنان منذ عقود بمساعدة فرنسا وغيرها، ربما ليقول إنّ المساعدات الفرنسية لن تكون للمسيحيين فقط. لكن ماذا عن المليارات الكثيرة التي تحتاجها الدولة المفلسة والمصارف الفارغة؟ وقبل ذلك وبعده، ماذا عن الملفات الأمنية والعسكرية التي لا تملك فرنسا وحدها القرار بشأنها؛ من أوضاع جنوب لبنان، إلى الصراع الإسرائيلي الإيراني على سوريا؟! وكيف يكون الحياد (أو التحييد) ممكناً وحاملو السلاح يقولون إنه عقيدة لازمة؟!

أسلوب الوزير الفرنسي مؤثرٌ جداً. لكنْ لا يبدو أن السياسيين المتنفذين (بين المافيا والميليشيا) متأثرون بنفس القدر. فعندما كان الوزير الفرنسي يدور على المسؤولين اللبنانيين محذّراً ومستغيثاً، كان رئيس «التيار الوطني الحر»، جبران باسيل، يوزّع المسؤوليات عن الأزمة بين اللاجئين السوريين واللاجئين الفلسطينيين. ولله في خَلْقه شؤون!

*نقلاً عن "الاتحاد"

اثنين, 27/07/2020 - 13:44