شور منت أكان:

باتة بنت البراء

هذا الشور من الأشوار القديمة، وقد قال فيه الشعراء الشعبيون وأكثروا، ومن أطرف ما قيل فيه من الگيفان قديما، وأكثره التصاقا بحياة البدو الرحل، قول أحدهم:

يَا مُــلَانَ غَـنْــمْ الْــعَـــرَّادْ@@ لَا مََـرِّتْ فِاخْلَاطْ الْعِزْبَانْ @

واحْمَـارِتْـهَا لَا عَثْرِتْ زادْ@@ افْـذَ مِنْ لِحْفِـرْ وِإجِـيــرَانْ @

هذا الگاف على بساطته يحمل توسلا غزليا جميلا، لا يريد صاحبه للحبيبة أن تضل غنمها، و لا أن تعثر حمارتها في الحفر لأن ذلك سيكلفها عناء وبحثا.

وبما أنه المعني الأول بالحبيبة فإنه سيضطر للقيام بهذه المهمة بدلا عنها، وفي ذلك ما فيه من الجهد والغياب عن حي الحبيبة.

فالشور وكما أسلفت تليد؛ وحين أقول تليد فمعنى ذلك أن أجيالا من الشعراء المتعاقبين، ربما لم يتركوا فيه موطئ قدم لقائل.

ولكن گاف عبدو ول محمدن الذي قال في هذا الشور وبحضرة نخبة من الشعراء تباروا في القول والإشادة بالنعمه منت اشويخ، شكل سبقا إبداعيا متميزا، لا أثر فيه للتكلف ولا للصنعة:

مَبَـهْلَـلْ ذُو الْـگَـومْ امْسَاكِيـنْ@@ لِيگُـولُـو لِـكْ هَـوْنْ الْگِـيـفَـانْ@

وِإيكَـرُّو لِـكْ عَـنْ حِسِّـكْ زَيْـنْ@@ كِيفْ إلِّي حِسِّكْ گَطْ اشْيَانْ!@

حين نتأمل هذا الگاف نجد أن الشاعر فيه اعتمد الأساليب الخبرية والإنشائية مادة أولية للصورة في النص؛ فحملت التافلويت الأولى عتابا وسخرية هادئة من هؤلاء الشعراء حيث نعتهم بِ: (اتْبَهْلِيلْ)، وهو ليس الحمق، ولكنه عدم الحصافة في القول والفعل.

وهو تصرف لغوي ذكي من الشاعر قلل فيه من شأن قرض الشعر في الفنانة والإشادة بصوتها، وذلك عبر ثلاث جمل تقريرية شملت ثلاث تيفلواتن من الگاف؛ أي ثلاثة أرباعه:

مبهلل ذو الگـوم امساكيـن@

ليگـولـو لـك هـون الگـيفَـان@

وإيكرو لك عن حسـك زيــن@

فكل هذا بالنسبة للشاعر ليس إلا تحصيل حاصل، ومسلمة يقينية لا يختلف عليها اثنان.

وبعد أن نقض غزل الشعراء جميعا، بأسلوب تقريري مثبت، وأكد أنهم لم يأتوا بجديد، أصبح لزاما عليه أن يجد لنفسه مخرجا من عهدة هذا القول، فيبرر انتقاده ما سبق من رأي في منافسيه، ويمنح الفنانة دفعا غير مسبوق في الإشادة بها.

هكذا عمد الشاعر بذكاء إلى الأسلوب الاستفهامي الإنكاري:

(كيف الي حسك گط.اشيان؟)؛

والتي جاءت جوابا وافيا شافيا على السؤال الضمني في النص:

- ماذا نقول عن هذه الفنانة؟

لقد وفق الشاعر توفيقا فريدا في استخدامه الأسلوبين الخبري والإنشائي في النص، ووفق أكثر في توظيفه صورة بديعية غير مسبوقة وهي: (تأكيد المدح بأبلغ من المدح) هكذا أسميها، حيث أنها لا تنتمي إلى حقل تأكيد المدح بما يشبه الذم، ولا تأكيد الذم بما يشبه المدح، وإن كانت تقاربهما مفهوما.

ولقد اخترع هذا الوجه البديعي ووصل به إلى المبتغى، فجاء هذا الگاف نسيج وحده؛ صياغة وفكرة.

إن هذا الگاف هو من گيفان الشور الخالدة في مدونتنا الحسانية، تلك الكيفان التي تظل متجددة القراءة والتأويل.

ثلاثاء, 04/08/2020 - 12:19