لقد عشنا خلال هذا الأسبوع ظاهرة فريدة من نوعها تستحق التأمل، وأقصد بهذه الظاهرة أننا أجبرنا على أن نوزع تعاطفنا وتضامننا ـ وربما بالتساوي ـ بين مدن وقرى في الداخل تكاد تغرق، وعاصمة كاد أن يهلكها العطش.
كان علينا في هذا الأسبوع أن نتضامن وبشكل متزامن مع الغرقى في الداخل والعطشى في العاصمة نواكشوط!
عطشٌ هنا وغرق هناك! أليس في هذا مفارقة عجيبة تستحق أن نتوقف معها ولو بعجالة؟
إن من يتأمل في هذه الظاهرة الفريدة من نوعها ستحاصره أسئلة ملحة من قبيل : لماذا لا نفكر مستقبلا في الاستفادة من فائض الماء في الخريف لنروي به عطش المواطنين في الصيف؟ ولماذا لا نستغل هذا الفائض من مياه الأمطار في زراعة ما يسد رمق الجوعى في بلادنا، وهم الذين يعدون بمئات الآلاف؟
لستُ مهندس مياه ولا مهندس زراعة، ولا علاقة لي أصلا بالهندسة والتي كان آخر عهدي بها في الثانوية، وبالتأكيد فأنا لا أعرف كيف يمكننا أن نخزن مياه الأمطار ونحولها إلى ماء يسقي العطشى في الصيف، ولا أعرف كيف يمكننا أن نستفيد من هذا الماء الفائض في تحسين وزيادة إنتاج الزراعة المطرية، لا أعرف شيئا عن ذلك، ولكني ـ في المقابل ـ على قناعة تامة بأن هناك طريقة ما للاستفادة من هذا الماء الفائض، وعلى الحكومة أن تبحث عن تلك الطريقة، وأن تبدأ العمل بها.
إن ما تكبدته بعض المدن والقرى من أضرار بسبب الأمطار يجب أن يدفع الحكومة إلى الخروج من دائرة ردود الأفعال والحلول المؤقتة، خاصة وأن مثل هذه الأضرار تتكرر تقريبا مع كل موسم خريف. كما أن العطش الشديد الذي عرفته العاصمة نواكشوط خلال الأيام الماضية بسبب انقطاع الماء يجب أن يلفتَ انتباه الحكومة إلى حجم المشاكل المعقدة والتحديات الصعبة التي تواجهها العاصمة نواكشوط، فهذه العاصمة وعلى الرغم من مرور ما يزيد على ستين سنة على إنشائها، ما تزال تعاني من مشاكل معقدة وتحديات صعبة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1 ـ مشكل العطش، فالماء يمكن أن ينقطع عن العاصمة نواكشوط نتيجة لخلل هنا أو هناك، وهذا ما ظهر جليا خلال الأيام الماضية
2 ـ مشكل الكهرباء، فعلى الرغم من أغنية تصدير الكهرباء فكثيرا ما تغرق عاصمتنا في ظلام دامس
3 ـ مشكل غياب صرف صحي، فعاصمتنا ربما تكون العاصمة الوحيدة في العالم التي لا يوجد بها صرف صحي
4 ـ مشكل القمامة، لم نتمكن حتى الآن من إيجاد حل جذري لمشكل القمامة في عاصمتنا الفتية أو العجوز، وكلا الصفتين يمكن استخدامها هنا، فهي فتية في عمرها، عجوز في مظهرها وشكلها.
5 ـ مشكل تهالك الطرق وفوضى حركة السير، ومن الطريف هنا أن ثلاث ملتقيات طرق هامة في العاصمة نواكشوط يتولى فيها تنظيم حركة السير أشخاص نصفهم ـ حقا أو زورا ـ بالمجانين. إن من يتأمل حركة السير على طرقنا سيتساءل عن أيهما أشد جنونا: هل هم أولئك الذين يتولون تنظيم حركة السير ونصفهم بالجنون أم بعض أولئك الذين يقودون سيارات فاخرة أو متهالكة في العاصمة نواكشوط أو في غيرها من مدن الوطن؟
إن مما يؤسف له حقا هو أن عاصمتنا ما تزال ـ وبعد دخولها في عقدها السابع ـ بلا صرف صحي، وتهددها القمامة والعطش وانقطاعات الكهرباء وفوضى حركة السير.
يُخَيَّل إليَّ في بعض الأحيان بأننا بحاجة ماسة إلى إنشاء وزارة خاصة بمشاكل العاصمة نواكشوط، فمشاكل هذه العاصمة أكبر من وزارة، وهي تحتاج إلى وزير يتفرغ لها، بل ربما تحتاج هذه المشاكل إلى لجنة وزارية خاصة بها.
في أحايين أخرى يُخَيَّل إليَّ بأننا في هذه البلاد بحاجة إلى التفكير و البحث الجدي عن عاصمة أخرى تكون بديلة للعاصمة نواكشوط.
من زيارة الرئيس للحوض الشرقي إلى تغريدته عن عطش نواكشوط
صحيحٌ أن مشاكل هذا الأسبوع كشفت عن حجم التحديات الصعبة التي ما تزال تعاني منها بلادنا بعد ستة عقود من استقلاها، ولكن الصحيح أيضا هو أننا لمسنا ـ كمتابعين للشأن العام ـ تفاعلا مختلفا مع هذه المشاكل، ونأمل أن يشكل هذا التفاعل المختلف بداية حقيقية للتعامل المختلف مع تلك المشاكل.
لقد كانت زيارة رئيس الجمهورية لولاية الحوض الشرقي مختلفة عن زيارات بعض سلفه، وقد تميزت هذه الزيارة ب:
1 ـ أن سكان الولاية المزورة لم يحشروا ضحى تحت لهيب الشمس في انتظار قدوم الرئيس
2 ـ أن المهرجين الذين تعودنا على مشاهدتهم في الصفوف الأمامية خلال زيارات الرئيس السابق لم يظهروا خلال كل محطات هذه الزيارة
3 ـ أن الوجهاء والأطر قد غابوا عن المشهد، فلم نشاهد سكان تفرغ زينة يصطفون في طوابير طويلة ويصافحون الرئيس في النعمة أو في عدل بكرو أو في باسكنو..كلما شاهدناه هو مجموعات من سكان الولاية الحقيقيين تجمعوا هنا أو هناك لإسماع مطالبهم الملحة لرئيس الجمهورية، وإن ذلك لأمر مبشر.
لقد تفاعل رئيس الجمهورية بشكل إيجابي مع الأضرار التي تسببت فيها الأمطار، وذلك من خلال زيارته لإحدى الولايات المتضررة، كما تفاعل بشكل إيجابي مع عطش نواكشوط من خلال تغريدته التي عبر فيها عن أسفه لانقطاع الماء عن العاصمة، كما بشر من خلالها بالتغلب على الأعطاب. وقد سبقت تغريدة رئيس الجمهورية نقطة صحفية لوزير الطاقة خصصها لأزمة عطش نواكشوط، هذا فضلا عن إصدار بيانات ومناشير رسمية من طرف وزير المياه والصرف الصحي وشركتي الكهرباء والماء.
لقد لمسنا كمتابعين للشأن العام تفاعلا مختلفا مع هذا النوع من المشاكل المتجددة والمعقدة، ونرجو أن يتبع هذا التفاعل الإيجابي تعامل مختلف عما عهدناه في الفترات السابقة يؤدي في المحصلة النهائية إلى حل جذري ودائم لهذه المشاكل.
لقد تعايشنا مع هذه المشاكل لعدة عقود، بل وتآلفنا معها، ولكنه لم يعد بمقدورنا التعايش معها أكثر، ولن يكون بمقدورنا مستقبلا أن نتقبل العيش بعد سنتين أو ثلاث في عاصمة بلا صرف صحي ينقطع عنها الماء والكهرباء باستمرار وتهددها القمامة وفوضى حركة السير. إن هذه المشاكل يجب أن تحل بشكل نهائي وجذري خلال مأمورية الرئيس الحالية، ولن يكون ذلك ممكنا إلا إذا بدأ العمل الجدي من الآن لحل هذه المشاكل المعقدة، وأن يكون ذلك من خلال اختيار موظفين أكفاء مشهود لهم بالاستقامة وحسن التسيير، ويمتلكون إضافة إلى ذلك عقولا مبدعة قادرة على إعداد الخطط وابتكار الحلول الناجعة لمشاكلنا المزمنة.
حفظ الله موريتانيا...