أنواكشوط ليست عاصمةً دولةٍ، بل دولةٌ في عاصمةٍ...
ومع ذلك، فإنها -منذ عقودٍ- تتقدَّمُ إلى هاويةِ المَصيرِ الكارِثي، مَعْصوبَةَ العينَيْن، أو مفْتوحتَهما، لا فرْقَ..
تتنفَّسُ تحْتَ الماء.. تغْرَق.. تغْرَق.. في المُسْتَنْقَعَاتِ الآسنة.. في الوَحل.. في سَبخَات الرمْل.. في طوفان الفساد.. بكُلِّ ما فيها.. من أبْنِيةٍ لم تؤسَّسْ-غالبا- على تقْوى، ولا حتَّى على "صرْفٍ صِحِّي"..
وبكُلِّ ما فيها من مُمْتلكاتٍ مشْبُوهَةِ المَصادرِ، في مُجْمَلِها.. تَنَاهَبَها لُصوصُ المَالَ العام والخاص.. وقراصنةُ التجارة المُحَرَّمَة.. وباعةُ الحَناجِر، والضمائر، والمَبادئ، والذِّمَمِ...
وبكُلِّ ما فيها من سُكَّانٍ حَيَارَي.. تائهينَ.. مَسْلُوبِي الإرادةِ.. فاقِدِي الإدارةِ.. مَخْطوفِي القَرَارِ.. مَرَدُوا على البُؤس.. وتكيَّفوا مع الظلْم... لا شيْءَ يُمَثِّلُ نَفْسِيتَهم، وذِهْنِيتَهم المُتًحَكِّمَةَ، أكثرَ منْ حَرَكَةِ مُرُورِهم الهائجةِ المائجةِ، على غيْرِ هُدى، ولا صراطٍ مستقيم...
إنَّ موْسمَ الخريف، في عاصمَتِنا، موْسمٌ للصيْد في "المِياهِ العَكِرَة"، حقيقة، ومَجازا.
مُوجِبُه الغرَقُ الحَالي، في المُسْتنْقعاتِ الآسِنَةِ الراكدةِ، "الممْنوعة من الصرْف" ملْءَ الشوارع، والساحات، وحتى المَنازل، والغرقُ المُوازي في الزبَدِ الرَّابي من لَغَطِ المُزايَدات السياسية، الخالية -في أغْلبها- من الصِّدْق في الدوافِع الوطنية، ومن الحَصَافَةِ في السِّحال الفِكْري...فمَنْ يَرْحُمُنا مِنْ هذا الغَرَقِ المُزْدَوَج؟ و مَنْ لنَا بـ "صرْفٍ صِحِّيٍّ"، لكلِّ هاتيكَ المُسْتَنْقَعَاتِ