إن أي مقارنة بين ما يحققه التنقيب الأهلي من مكاسب اقتصادية واجتماعية للوطن مع مردودية شركة "كينروس تازيازت" على الاقتصاد الوطني، ستكون ـ وبكل تأكيد ـ لصالح التنقيب الأهلي.
فالمقارنة على مستوى التشغيل تُظهر أن شركة "كينروس تازيازت" تُشغل حسب أعلى الأرقام المتداولة 4000 عامل، بينما خلق التنقيب التقليدي 142000 فرصة عمل حسب خطاب الوزير الأول أمام البرلمان (45 ألف فرصة مباشرة و97 ألف فرصة غير مباشرة)، أي أن التنقيب الأهلي من حيث توفير فرص العمل يضاعف 35 مرة ما توفره شركة "كينروس تازيازت" من فرص عمل.
إن المقارنة على مستوى التشغيل يجب أن لا تتوقف فقط عند الفارق الكبير في عدد فرص العمل، والذي هو لصالح التنقيب الأهلي، بل إنها يجب أن تشمل أيضا ميزة أخرى في غاية الأهمية تُحسب لصالح التنقيب الأهلي، ذلك أن التنقيب الأهلي هو من المجالات القليلة التي بإمكانها أن تنقل العامل في فترة وجيزة، حتى ولو كان غير متعلم، من عامل بسيط إلى مستثمر في المجال، أي أن الاستخراج السطحي للذهب يمكن أن يُساعد في توسيع دائرة الطبقة المتوسطة في البلاد، بل إنه قد يساعد في خلق طبقة من رجال الأعمال منحدرة من الفئات الهشة. هناك أمثلة عديدة تتعلق بأشخاص قدموا إلى مناطق التنقيب لا يملكون إلا مجارف أو فؤوس وأصبحوا اليوم من أصحاب عشرات الملايين إن لم أقل مئات الملايين.
وعلى مستوى الضرائب والرسوم الجمركية فإن كل ما يستهلكه التنقيب الأهلي من تجهيزات ومحروقات ومواد استهلاكية تأخذ عليه الدولة ضرائب ورسوم جمركية، في حين أن ما تستورده شركة "كينروس تازيازت" من تجهيزات ومحروقات ومواد استهلاكية معفى من الضرائب والرسوم الجمركية.
أما على مستوى الإنتاج والعوائد المالية فقد قال الوزير الأول في خطابه أمام البرلمان إن إنتاج الاستخراج الحرفي للذهب وصل إلى 5.6 طن في العام 2020 (ربما يكون هذا الرقم خاصا بما تم بيعه للبنك المركزي ولا يشمل الكميات المهربة). وذكر "دافيد هندريكس" مدير شركة "كينروس تازيازت" أن إنتاج الشركة وصل في العام نفسه، أي في العام 2020 إلى 12.6 طن.
توضح المقارنة بين هذه الأرقام أن إنتاج الاستخراج الحرفي للذهب أصبح يقترب كثيرا من نصف إنتاج شركة "كينروس تازيازت". بل إن هذا الإنتاج وصل في أحد أيام الموجة الأولى من كورونا إلى 30 كلغ في الشامي فقط، وهذا يقترب كثيرا من المتوسط اليومي لإنتاج "كينروس تازيازت" في العام 2020، والذي يصل إلى 34 كلغ لليوم.
أما من حيث المردودية، فإن 5.6 طن التي ينتجها الاستخراج الحرفي للذهب تباع عن طريق البنك المركزي الشيء الذي ينعكس إيجابا على قيمة الأوقية، ويزيد من رصيد العملات الصعبة. أما 12.6 طن التي أنتجتها "كينروس تازيازت" في العام 2020 فلن يعود منها لموريتانيا إلا نسبة تتراوح بين 3 إلى 6 %، وهو ما يمثل756 كلغ من الذهب، ويعني هذا أنه في الوقت الذي وفر فيه التنقيب التقليدي لموريتانيا 5.6 طن من الذهب في العام 2020، فإن شركة "كينروس تازيازت" لم توفر للدولة الموريتانية إلا 756 كلغ من الذهب، أي 13.5% فقط مما وفره التنقيب التقليدي.
يقول "دافيد هندريكس" في مقابلة أجرتها معه صحراء ميديا بتاريخ 12 فبراير 2021 إن الإتاوات المدفوعة للدولة الموريتانية انتقلت من 16 مليون دولار في العام 2019 إلى 36 مليون دولار في العام 2020 ، وهو ما يقارب 12.9 مليار أوقية قديمة.
وفي مؤتمر صحفي مشترك بين وزير النفط والطاقة والمعادن ومدير شركة معادن موريتانيا بتاريخ 23 أكتوبر 2020 قال الوزير إن القيمة المضافة لاستخراج الذهب السطحي بلغت 74 مليار أوقية في العام 2019، وهو ما يعني أن عائدات التنقيب الأهلي في العام 2019 ضاعفت 13 مرة مجموع ما دفعته "كينروس تازيازت" لموريتانيا في ذلك العام، وضاعفت 6 مرات مجموع ما دفعته نفس الشركة لموريتانيا في العام 2020.
إن عائدات التنقيب الأهلي يتم ضخها في كل مدن وولايات الوطن، ولو توفرت إحصائيات بما يتم تحويله من أموال عبر وكالات تحويل الأموال في مناطق التنقيب لكنا أمام رقم كبير يعكس الدور الهام الذي يلعبه التنقيب الأهلي في تحسين مستوى معيشة نسبة كبيرة من مواطنينا في مختلف ولايات الوطن.
لقد أظهر التقرير الاقتصادي والمالي المرفق بمشروع قانون المالية 2021 أن معدن الذهب احتل المرتبة الأولى على مستوى صادرات موريتانيا من حيث عائدات العملة الصعبة خلال العام 2020. كما بينت المقارنات السابقة في هذا المقال أهمية التنقيب الأهلي ودوره المتنامي على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، ومن هنا تبرز ضرورة الاهتمام بالتنقيب الأهلي وواجب حمايته من جشع الشركات الأجنبية العاملة في المجال.
قد نتفهم ـ بمرارة ـ أن نقبل بتعاقد حكوماتنا المتعاقبة مع شركة "كينروس تازيازت" التي تنهب ذهبنا وتمنحنا من عائداته نسبة قليلة جدا. قد نتفهم ذلك ـ وبمرارة ـ لأنه لم يكن بإمكاننا في السنوات الماضية أن نستخرج هذا الذهب إلا من خلال التعاقد مع شركات أجنبية. لكن الشيء الذي لا يمكن تفهمه هو أن يتم منح تراخيص نهائية أو عقد اتفاقيات مبدئية مع شركات أجنبية في مناطق يوجد فيها عشرات الآلاف من منقبينا كما هو الحال بالنسبة لمنطقتي "تيجيريت" التي مُنحت لشركة (Algold Resources)، ومنطقة "تازيازت" التي مُنحت لشركة "كينروس تازيازت" وفق اتفاقية "تازيازت الجنوبية ـ انتماية".
إن منطقتي "تيجيريت" و"تازيازت" تحتضن الآن ما يزيد على نصف العدد الكلي من المنقبين من الذهب في موريتانيا، ومن هنا يكون من الواجب حماية هذه الأعداد الكبيرة من المنقبين من جشع الشركات الأجنبية، ولن يكون ذلك إلا من خلال إلغاء رخصة شركة (Algold Resources)، وعدم توقيع اتفاقية "تازيازت الجنوبية ـ انتماية".
حفظ الله موريتانيا...