أعانا علي.

محمد الأمين محمودي

لايمكنني محوهما من ذاكرتي وان فعل الزمن بهما مافعل.
كان "كادا السارق" كما كنا نسميه في المراهقة طويل القامة قوي البنية، يخيل اليك بأنه هندي أو رجل من زنجبار، انه خليط عجيب من الأعراق ماجعله مختلفا عنا صبية اللونين،كان يفرض علي من الاتاوات مالم يفرضه أحد على أحد ولامستعمر على مستعمَر..وكنت تلقائيا أقلب الجيوب حين أصادفه للتأكيد على افلاسي فما في الجيب له دون غيره وبالقوة..الفلوس غير موجودة، لابأس سيسلبني بسكويت الفيتامين الذي كنت أحصل عليه بعد تسول "نصرانية" الهلال الأحمر لنهار كامل.
الثاني هو محمدو..تعرفت عليه في اعدادية تفرغ زينة بين زملاء الدراسة  من أبناء اللجنة العسكرية والمدنيين المتنفذين،كان مرافقا للجامحين منهم كان يدهم التي تبطش باسمهم وكان يضايقني ويسخر مني ولداتي لاضحاكهم واثراء يومياتهم،مرة ينهرني ومرة يطاردني ومرة يصفعني وأحيانا كثيرة يشد ياقة قميصي ليجذبني ويسخر من ثيابي التي تجانب الموضة غالبا ،بسبب قلة الحيلة ربما..لم أسعد برؤيته أبدا،ولم أجد من يرعبني بقدره بعد "جو" الهندي في رائعة المسيسيبي "توم صويير"..أحيانا كنت أبكي حين أتذكر وجهه.
مضى عقدان أوثلاثة وأنا أتابع أخبار صاحبيّ في غربتهما بأوروبا تماما كبقية الأصدقاء،"كادا" قتل على يد الشرطة في عملية دهم بشعة رحمه الله، أما الثاني فحاله يؤرقني ويؤلمني لأنه يعيشه في هذه اللحظات، وقد حاولت التواصل معه رفقة بعض الأصدقاء لنعرف منه كيف نساعده،اذ يعيش منذ سنوات كمتشرد بلا مأوى بعاصمة أوروبية،يعاقر الخمرة باسراف ويتناول المخدرات ويبيت في الشوارع،يقاسي البرد والثلوج ويفترش الجليد،لابد أنه يرتجف من البرد كل ليلة، لابد أنه يتذكر طفولته ومن أضاعوه،لابد أنه يتألم وهذا مايحزنني ويؤلمني،محزن جدا تخيله وهو يستدعي حضن أمه في تلك اللحظات، فله أم ككل الناس.
حزنت لمنتهى رحلة صديقيّ وحزنت لمقتل "كادا"  لأنه وان كان أساء الي كطفل أو مراهق فبسبب الظروف التي عاشها وجعلته يمد يده الى ماعند غيره..لم يكن مجرما يوم ولد ولاحتى يوم غادرنا،كان فقط مشاكسا وجامحا ومجنونا ويسعد بأننا نحسبه مجرما...كان استعراضي الاجرام فقط.
حزنت لمحمدو الذي حرم دفء الأم في الطفولة وهذا مافرض عليه البحث عن قوة بعدها، وظهور بعدها، وانتصارات طفولية بعدها..فقد الأم في الطفولة يكفيني شفيعا له، أما حاله الآن فليت الله غيره نحو الأحسن وأعاده الينا كما كان ولو اقتضى الأمر أن يضايقني وغيري مرات ومرات فلامشكلة ، اذ المهم أن يعود كما كان قبل هجرته.
أعنتما علي، و أذكركما لكن لسبب آخر وهو أنكما كنتما طفلين حالمين لكما أُمّان وبيتان وناموسيتان وأحلام ككل الأطفال.
"كادا"رحمك الله،محمدو، انفض الثلج وأثَرَ السنين الظالمة، وعد الينا لنضحك على الذكريات، فلاغل صديقي ولا أحقاد ولا ضغائن..كنتما ومازلتما بالنسبة لي طفلين أحدهما أسأل له الله الجنة والآخر أريد له أن يعود لنسلك معا الدرب اليها..من يدري

اثنين, 24/05/2021 - 17:37