ثلاثة أساور!

خالد الفاظل

تصاعد دخان الذكريات في المداءات البعيدة مسافراً، ورفرفت أجنحة الحنين ببطء عاجزة عن الطيران مرة أخرى..

تکاسلت سنابل الحب عن النهوض مجدداً خوفا من أفراح الحصاد، فأفراحه تعني رحیلها الأبدي عن الحقول

أصبح وميض النظرات القديمة خافتاً، مثل لمعان برق شاحب بأقاصى السماء المضببة بغبار الأمنيات

عندما ملَّت شجرة الوصول من المكوث بمفردها، لم تجد ما يُنقذها من الانتظار سوى السقوط وتشرد أغصانها خارج الغابة المظلمة والكئيبة

عندما لم يعرف النهر وجهته نحو المصب، قرر أن يتدفق في تلك الأماكن المنخفضة من منحدرات الطريق

جالساً على الكرسي أراقب الطيور الذائبة في غلالة الضباب المعتقة بألوان الغروب. جاءني هذا الرجل العابر -في الصورة المرفقة- مُلقيا حكايته في كلمات بلا صدى. كان يرتدي ثيابا مرتخية وحزينة رفقة نظرات قادمة من مكان بعيد، بدا وكأنه شمس الدين التبريزي. اقترب مني وابتسم ببطء شديد وقال لي: " هل أنت مسلم؟ "

قلت له: " نعم "
فأخرج لي ثلاثة أساور  وقال لي: " هذه هدية مني لك‌!"

قلتُ له: " كم تريدا ثمنا لها؟ "
فاعتذر، وقال لي: " هذه هدية لك، اعطها لزوجتك ".

وبما أنه كان لطيفا معها، أعطيته بالنيابة عنها 1000 فرنك أي ما يعادل تقريبا 660 أوقية قديمة. شكرني المتسول بصوت خافت جدا ثم نزع شيئا من رقبته، فإذا بها مثقوبة. رغم كون الحياة طوقته بالابتلاء إلا أنه يعيشها، ويحاول أن يقدم هدايا للعابرين الذين قد لا يلتقيهم مرة أخرى...
تواري مودعا ويداه تواصلان الامتنان. كان متسولا ذكيا يحمل بضاعة يعرضها للبيع حتى لا تكون الصدقات بلا مقابل..

ذكرني العجوز بحكاية عابرة تحولت إلى تمثال، وبأشخاص لم نقدم لهم ما يكفي من الهدايا قبل أن يرحلوا إلى العالم الآخر في وقت مبكر من الحياة..

لا ترحلوا قبل أن ترحلوا ولا تخافوا من تبذير الحب، فلا شيء يضيع حتى وإن ذهب إلى وجهة خاطئة...

جمعة, 11/06/2021 - 10:02