السجان السجين

محمد الأمين محمودي

كنت قبل قليل في جلسة شارع مع صديقين اذ مر بنا رجل يبدو عليه الاعياء والنصب..خصني بحركة يخفيها تحت دراعة رثة:
- كيف حالك
بدا الرجل في طريقة القائه السلام وكأنه بغي صادفت زبونا تود لو سألته حاجة لكنها تحترم قسم "ابي قراط "وبالتالي ستكلمه على انفراد دون أن تظهر علاقة سابقة بينها والمعني حتى لا"تفضحه"..قمت الى الرجل.. هل تعرفني؟
ابتسم ابتسامة ضعيفة كأيتام السياب  وذكرني بذلك الحرسي الطويل القوي الذي كان يعاملني بلطف في سجن روصو، كان هو ذلك الشاب السجان "أ ش"، لكن لم يدر في ذهني أبدا أنه أيامها كان سجينا مثلي وان في زيه العسكري..كانوا فتية من قبيلة واحدة جيئ بهم من مختلف الثكنات على أساس أنهم كانوا يوفرون الدعم لقريبهم الذي قاد محاولة انقلابية، ورغم أنهم كانوا ينتظرون الافراج أو الفصل أو السجن الرسمي الا أننا لم نلاحظ حينها فرقا بينهم وبقية الحرسيين..بعد مدة حول خلالها الى سجن آخر خرج الى الحياة بعد الانقلاب الذي أطاح بمعاوية..أفرج عنه بعد أن غير القولون العصبي شكله وطباعه فاستعاض بلحية خفيفة عن ألم الحاضر برجاء المستقبل، وانتهت وساوسه الى أنه غير محظوظ ولايستحق الا ماهو عليه..تبادلنا الأرقام ومضى لحال سبيله الطويل البائس ففي انتظاره صبية سُرح والدهم واغتيل شبابه ولفظته السجون وسوء المعاملة فانتهى كريشة لاتقوى على مقاومة ريح الزمن وتقلباته واكراهاته..قضى سنوات يتنقل بين أسرة المشافي ومزارات "الصالحين" والتقى "الأولياء الرسميين" وغير الرسميين بحثا عن شفاء تأخر..لم يسأل حاجة، لكن عينيه تحدثتا بمافيه الكفاية..ولربما يكون ثمن أكواب القهوة هذه زادا يكفي الرجل وأسرته الصغيرة ليوم كامل ومع هذا سنظل نشرب ونحتسي..كم أكره دنيانا البغيضة.
وظله يختفي في الزقاق ألقيت على قفاه المنهك نظرة لعنت فيها الساسة والسياسة والانقلابات ومعاملة البسطاء بصلف وظلم..انها الحياة التي لم تمنح زمامها الا لمن لم تعرف الرحمة سبيلا الى قلوبهم.
تبا..ثم لماذا نشرب القهوة ونأكل الأطعمة التافهة، وفي العالم جياع ببطون خميصة.
لماذا المقبلات لنأكل والتحلية لنختم الوليمة، ولدينا من يقبلون على الطعام لكنه يدبر عنهم..لماذا نشرب المعدني ويشرب أغلبنا الأجاج؟
ثم لماذا هو ونحن؟!!

سبت, 10/07/2021 - 19:03