كدّر الدخان الكثيف صفو إقليم شفشاون شمالي المغرب، خلال الأيام الأخيرة، فيما تعالت ألسنة النيران، لتلتهم هكتارات من المجال الغابوي في المدينة الزرقاء.
واندلع حريق كبير في غابة سوما، غير بعيد عن غابة جبل بوهاشم، فاستنفر الحادث، الذي لم تعرف أسبابه بعد، جهود فرق الإطفاء لإخماد ألسنة النيران، التي أتت على مساحات شاسعة.
وسارع ممثلو السلطة المحلية وعناصر مؤسسة المياه والغابات ورجال الوقاية المدنية وعناصر من القوات المساعدة إلى عين المكان لتقديم يد المساعدة، ومساندة الشاحنات الصهريجية التي تسابق الزمن لإخماد الحريق.
كما سخرت السلطات أربع طائرات "كنادير" تابعة للقوات الملكية الجوية للمشاركة في جهود إخماد ألسنة اللهب. أما على الأرض فقد تم استنفار أزيد من 300 عنصر من القوات المساعدة ورجال الإطفاء وأعوان مصالح المياه والغابات ومختلف المصالح الأمنية في محاولة لوضع حد لانتشار النيران.
وزادت الرياح من صعوبة مهمة رجال الإطفاء، حيث وجدوا عقبات كبيرة في إخماد الحريق، الذي لم تتم السيطرة عليه بعد بسبب وعورة المسالك الطرقية، بالإضافة إلى هبوب رياح قوية ساعدت في انتشار اللهيب الحارق بسرعة.
وحسب شهود عيان، فقد دفعت سرعة انتشار النيران السكان إلى مغادرة منازلهم بعدما طوقت ألسنة اللهب البيوت. وتطوع العشرات من الساكنة المحلية المجاورة للغابة في عملية إطفاء الحريق، الذي نشب منذ منتصف يوم السبت، بهدف تأمين المحاصيل الزراعية التي باتت مهددة بألسنة اللهب.
وحسب مصادر رسمية فإن الحصيلة الأوّلية للخسائر الناجمة من الحريق تشير إلى تضرّر نحو 200 هكتار من الغابات وهي حصيلة مرشحة للارتفاع.
واحات تحترق
وبالإضافة إلى غابات أقاليم شمال المملكة، تعرف مناطق أخرى في الجنوب سنويا حرائق تدمر عددا من أشجار النخيل والواحات.
وقد أتى حريق كبير، اندلع يوم الثلاثاء 10 أغسطس، على إحدى الواحات في إقليم زاكورة جنوبي المغرب، قبل أن تتمكن السلطات المحلية من إخماده.
وشهدت واحة تمزموط حريقا ضخما قضى عليها بالكامل، والتهم عددا كبيرا من أشجارها المثمرة، بعدما اجتاحت النيران مساحات واسعة منها. وكشفت مصادر رسمية أن الحريق تسبب في إتلاف حوالي 2500 نخلة وأشجارا أخرى.
كما عرفت واحة تزغى هي الأخرى حريقاً هائلا قضى عليها بالكامل، حيث التهمت ألسنة اللهب أشجارها المثمرة ونخيلها، بعدما اجتاحت النيران مساحات واسعة.
وهرع رجال الإطفاء إلى عين المكان لتطويق الحريق وإطفاءه قبل اتساع رقعته، حيث شاركت طائرات من نوع "كنداير سي إل-415" في عمليات الإطفاء.
مصادر محلية، أكدت أن العديد من الواحات بإقليم زاكورة تواجه مع كل موسم صيف، موجة حرائق تنشب بين الفينة والأخرى بسبب ارتفاع درجات الحرارة، حيث تساهم رياح "الشرقي" في امتداد رقعة النيران وانتشار ألسنة اللهب التي تصل إلى مساحات كبيرة.
67 هكتارا سنويا
تعليقا على الموضوع، اعتبر مصطفى فوزي، مدير الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان بمدينة زاكورة جنوبي المغرب، أن هذه الحرائق، تعتبر إحدى أشكال التغيرات المناخية التي يعرفها العالم، ومن بينها أيضا الجفاف والفيضانات، وبالتالي لم تسلم الواحات من الحرائق.
وأضاف فوزي أن "السنوات العشر الأخيرة، عرفت تدمير حوالى 90 ألف نخلة، أتت عليها الحرائق في مناطق الواحات، أي بمعدل 67 هكتارا في السنة. وهو ما يمثل 672 هكتارا دمرتها الحرائق في العشرية الأخيرة من 2010 إلى 2019."
كما أكد مصطفى فوزي أن هذه الحرائق استنفرت سلطات المناطق المتضررة. وكشف المتحدث عن إحداث لجنة موسعة لمكافحة هذه الحرائق؛ وبالتالي تم اتخاد عدد من الإجراءات، من بينها إطلاق مرصد يهتم بدراسة آثار الحرائق عن طريق إعداد خرائط مُحينة، تحدد الأماكن الأكثر هشاشة داخل الواحات، والرفع من نجاعة التدخلات، بحيث تكون هذه الأخيرة، دقيقة وفق شروط علمية تمكن من السيطرة على الحرائق بسرعة.
ولفت مدير الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات أن المغرب قام بتطوير أدوات رصد الحرائق والتنبؤ بها. بالإضافة إلى تحسين أدوات التدخل وكذا تطوير وسائل التوعية والتحسيس لفائدة السكان المجاورين للواحات.
طائرات متطورة
ومن أجل رصدٍ أنجع للحرائق وتتبعها بدقة، استثمر المغرب في أحدث التكنولوجيا بنا في ذلك أدوات التنبؤ والطائرات الصغيرة. وقد شرعت مندوبية المياه والغابات في استخدام طائرات بدون طيار "درون" مجهزة بنظام تحكم متطور ومزودة بكاميرات حرارية ليلية،.
تستطيع تلك الدرون التحليق على علو 3000 متر في مختلف الفصول بفضل مقاومتها للرياح والأمطار والثلوج، لمراقبة الغابات طيلة شهر غشت الجاري، وذلك تفاديا لحرائق الغابات، خاصة بعد تحذيرات مديرية الأرصاد الجوية من موجة الحرارة التي يشهدها المغرب.
وتدخل هذه المبادرة الجديدة ضمن مشروع إدخال التكنولوجيا المتطورة إلى المجال الغابوي لمراقبة ورصد أي تحرك غير قانوني والتعجيل برصد أي حريق بمجرد وقوعه، مبرزا أنه شرع في تنفيذ الفكرة بإقليم بولمان في انتظار تعميم المشروع بمختلف ربوع المملكة.
حرارة مرتفعة
ويزيد ارتفاع درجات الحرارة من خطورة الحرائق، حيث أفادت المديرية العامة للأرصاد الجوية، الثلاثاء الماضي، بأن درجات الحرارة ستعرف ارتفاعا ملموسا قد يتجاوز المعدل الشهري ب 5 إلى 10 درجات، ابتداء من الخميس، وذلك نتيجة لصعود كتل هوائية حارة وجافة قادمة من الصحراء الكبرى نحو المغرب.
وقد سُجلت درجات حرارة عليا تتراوح ما بين 45 و49 درجة، في عدد من مناطق المغرب لا سيما التي تقع في الجنوب. كما أفادت المديرية العامة للأرصاد الجوية بأنه من المرتقب أن تشهد عدد من محافظات وأقاليم المملكة موجة حر، يومي الاثنين والثلاثاء.
وأوضحت المديرية، في بلاغ سابق لها، أن هذه الموجة الحرارية المعروفة بظاهرة "الشرقي"، ستمتد لتشمل معظم مناطق البلاد، خاصة سوس، والأقاليم الجنوبية وتادلة والحوز والرحامنة والشياضمة وتانسيفت وهضاب الفوسفاط والماس وسايس والغرب واللوكوس والشاوية وعبدة، بالإضافة إلى المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية للبلاد.
وسبق أن شهدت المملكة موجة حرّ مماثلة الشهر الماضي أدّت إلى اندلاع 20 حريق غابات ما بين 9 و11 يوليو أتت على نحو 1200 هكتار، وفق ما أفادت إدارة المياه والغابات منتصف يوليو.
"إنذار أحمر"
في السياق ذاته، وصف تقرير أممي التغيرات المناخية في العالم بأنها "إنذار أحمر للبشرية"، مؤكدا أن تداعياتها ستستمر لآلاف السنين بفعل تسارع ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير متوقع.
وقالت لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة، في تقريرها الصادر الاثنين، إن دور البشر في الاحترار العالمي لا لبس فيه، محذرة من أن بعض عواقب هذا الاحترار، بما فيها ذوبان الجليد وارتفاع منسوب مياه البحار، ستبقى غير قابلة للعكس لمئات أو آلاف السنين.
وأوضح الخبراء أن الحرارة في العالم سترتفع بواقع 1.5 درجة مئوية عما كما متوقعا قبل 10 سنوات، وتوقعوا تكرار موجات الحر الشديد كل 10 سنوات بعد أن كانت تحدث مرة كل 50 عاما، وذلك بسبب الاحتباس الحراري العالمي، كما أن الجفاف وهطول الأمطار بغزارة أصبحا أيضا أكثر تواترا.
سكاي نيوز عربية