الأصل في الأشياء أن زيارة مسؤول عربي لعاصمة عربية أمر يفترض انه محل ترحيب وعادي ويتنزل في أطارما تفرضه العلاقات الديبلوماسية التاريخية والسياسية والثقافية والاجتماعية للدولة المعنية، إلا أن الأمر في العلاقات العربية العربية لا يحسم بهذه الطريقة منذ عشر سنوات حيث بات الأمر استثناء وليس قاعدة ومن شانه أن يثير إذا حدث التساؤلات حول ما يمكن أن يخفيه من أهداف وحسابات.. وهذا ما حدث اول أمس مع تواتر أنباء زيارة وزير خارجية الإمارات إلى العاصمة السورية دمشق..وقد وجب الإشارة إلى أن الخبر ظل يراوح في البداية بين التأكيد والنفي إلى ان نشرت مواقع سورية رسمية النبأ وهو ما يمكن أن يعتبر بمثابة صفحة جديدة في العلاقات بين الإمارات وسوريا ولكن هذا ليس كل الخبر اذ لم يتضح بعد تفاصيل وشروط هذه الصفحة الجديدة خاصة في ظل قانون قيصر العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا وفي ظل استمرار الأسباب التي كانت تعتبرها الإمارات والدول المقاطعة لسوريا أنها سبب عزل هذا البلد وهي أسباب ممثلة في بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة بعد عشر سنوات من الحروب والخراب والدمار على الشعب السوري وبعد أن كانت الدول المقاطعة لسوريا تقسم بأغلظ الإيمان انه لا مجال لهذا التطبيع طالما بقي الأسد في السلطة.. بعد عشر سنوات نجح الأسد في الحفاظ على موقعه حتى وان فقد السيطرة على جزء كبير من سوريا والأكيد أن بقاءه في جزء منه مرتبط بالدور الإيراني والدور الروسي ولكن أيضا دور الجيش السوري في كبح جماح الدواعش وبقية التنظيمات الإرهابية الأخرى.. نترك قراءة التاريخ لخبراء التاريخ الذين سيقيمون هذه العشرية ونبقى كإعلاميين في إطار تاريخ اللحظة ومواكبة التحولات المتسارعة في المنطقة والأرجح أن هناك ضوءا أمريكيا للتطبيع العربي السوري للحد من تمدد النفوذ الإيراني ومعه حزب الله ..كيف سيكون هذا التطبيع وبأي ثمن هذه مسألة أخرى…فليس سرا أن الإمارات تقود اليوم قطار التطبيع الموازي أي التطبيع مع إسرائيل وتخوض لأجل ذلك سباق ضد الزمن وليس من الواضح أن كان هذا الأمر مطروحا بالنسبة لسوريا التي كانت ولا تزال حاضنة الفصائل الفلسطينية في كل الأزمان… بالأمس تزامنت زيارة المسؤول الإماراتي مع اختراق جديد لقوات الاحتلال الإسرائيلي للأجواء السورية وإصابة جنديين سوريين.. طبعا لسنا واهمين ولا نتوقع إدانة لما تقوم به المقاتلات الإسرائيلية من خرق جوي يومي لسوريا ولكن في المقابل نحاول قراءة عناوين الزيارة التي تكتمت بشأنها كل الأطراف..
هل كان لا بد لهذه الزيارة أن تحدث؟ نعم كان لا بد من كسر الطوق المفروض حول سوريا وإخراج هذا البلد من عزلة فرضت عليه طوال عقد من الزمن بكل تداعياتها السياسية والأمنية والاقتصادية وحتى الصحية وكم كنا نتمنى لو أن الأمين العام لجامعة الدول العربية من بادر بهذه الخطوة وتمهيد الطريق لعودة سوريا إلى الموقع الذي تستحق وإيقاف النزيف الدموي الذي طال أمده وكلف سوريا ومعها كل المنطقة من الخسائر الإنسانية والأمنية والسيادية ما كلفها…
لم يعرف القليل أو الكثير عن ملابسات وظروف زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى سوريا والتي تضاف إلى قائمة الزيارات المسجلة في الأسابيع القليلة الماضية لوفود أردنية ولبنانية إلى دمشق بحثا عن محاولة مساعدة لبنان في أزمته الاقتصادية الخانقة…
الزيارة وهي تأتي بعد أن قررت الإمارات تطبيع العلاقات وإعادة فتح سفارتها في سوريا قبل ثلاث سنوات وتحديدا في 2018 أثارت أكثر من نقطة استفهام توقيتها كما حول أهدافها وما يمكن أن تترجم له على ارض الواقع…فنحن في عالم لم تعد فيه تبادل الزيارات العربية العربية وتطبيع العلاقات العربية هي القاعدة بل هي الاستثناء بعد عقد من التحولات والمفاجآت في فضاء ما وصف بالربيع العربي قبل أن تصيبه الاهتزازات والاختراقات من كل جانب وتتحول سوريا كما ليبيا واليمن إلى ساحات مفتوحة للصراعات الدموية ومختبرات للجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية المتسللة من أفغانستان والعراق..
عنوان زيارة المسؤول الإماراتي إلى العاصمة السورية وحسب ما أعلنته المصادر الرسمية في سوريا عودة سوريا إلى الجامعة العربية بعد غياب استمر منذ 2012 و السؤال إذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يكن أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية من يقوم بالزيارة أو لماذا لم يكن نائبه حسام زكي موفده إلى دمشق كما هو الحال في السودان؟
طبعا ندرك جيدا أن صورة الجامعة العربية من صورة أعضائها وان صاحب القرار ليس في مكتب الأمين العام…تماما كما ندرك أن الإمارات أصبحت تتطلع إلى أكثر من دور بارز في الأزمات الراهنة في المنطقة لا سيما في سوريا وهي التي كانت من بين الدول التي راهنت بل وحرصت على مقاطعة سوريا في أعقاب التطورات الحاصلة في هذا البلد وخروج مجموعة أصدقاء مؤتمر سوريا في تونس للمطالبة بتجميد مقعدها في الجامعة العربية علما وان سوريا تعد من الدول المؤسسة للجامعة..
سبق لوزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، التأكيد أن «عودة سوريا للعمل الإقليمي مع محيطها العربي أمر لا بد منه” تصريح يجد صداه مجددا بعد إعلان الجزائر اعتزامها عقد القمة العربية في مارس القدم والعمل على عودة سوريا إليها علما وان الجزائر كانت إلى جانب ثلاث دول لم تقطع علاقاتها بسوريا وهي سلطنة عمان واليمن ومصر…
نقلا عن رأي اليوم