ملاحظات على مهرجان الإنصاف

محمد محمود إسلم عبد الله

قبل أيام أطل علينا الحزب الحاكم بمهرجان في العاصمة نواكشوط ، كان الحشد كبيرا ، والحضور متنوعا ، وليس في الأمر غرابة ، فمنذ ميلاد التعددية الحزبية في موريتانيا والحزب الحاكم هو سيد الساحة بلا منازع ؛ حشودا وناخبين ووسائل ، لاعتبارات يدركها الغبي حتى .

إن توقيت المهرجان كان غريبا في نظري فقد تزامن مع رهاب عالمي من سلالة "أوميكرون" التي أرعبت العالم ، وجعلت العديد من البلدان تراجع بعض  سياسات الحجر الجزئي كإغلاق الحدود ، ومنع غير المطعمين من ارتياد الأماكن العامة أو الاستفادة من بعض الخدمات.

إن التساهل في موضوع كهذا يستحق منا التنديد ، ومع الأسف منذ مساء انعقاد هذا المهرجان وإلى اليوم تزايدت إصابات الفيروس اليومية بشكل كبير وفق المعطيات التي تقدمها الجهات الصحية ، وأعتقد جازما أن المهرجان لا يمكن إلا أن يكون أحد العوامل التي ساهمت في زيادة وتيرة هذا الارتفاع المتسارع والمقلق.

لقد تابعت صور التحضيرات لهذا المهرجان وكان لافتا عندي صفوف المقاعد التي كتب على بعضها بخط عريض  وزير ..وزير ..وزير.

إن إقحام كبار موظفي الدولة في الحزب وإحراجهم بالظهور في المهرجانات يخاطبهم رئيس الحزب الحاكم وكأنهم مرؤوسين لديه خطأ كبير ، وخلط ينبغي على السيد الرئيس لما يتمتع به من بصيرة وثقافة أن يضع له حدا وبشكل صارم.

إن الوزراء باعتبارهم من الخط الأول من موظفي الدولة ليس من اللائق إقحامهم في السياسة الحزبية المكشوفة ، ولو كنا نمتلك إرادة و تقاليدا في التسيير لكان اعتمادنا في هذا الصنف من المسؤولين تحديدا على التكنوقراط والكفاءات بالدرجة الأساس ، خاصة حين لا نكون بصدد موسم سياسي يستدعي استدرار عطف الخزانات الانتخابية.

 من ناحية أخرى إن التهليل الذي يقابل به أنصار الحزب الحاكم والمتزلفون خطابات الرئيس لاعتبارات شتى أقل ما يقال عنه إنه مبالغ فيه .

إن الرئيس الحالي يمتلك ثقافة ووعيا وليس غريبا أن يلامس في خطاب أو تدوينة مكمن خلل أو مصدر وجع أو آفة اجتماعية في بلده الذي ترعرع فيه وشب وشاب وأنهى مدة خدمته العسكرية متنقلا بين أسمى المناصب .

 إن التطبيل والتزمير والتصفيق عندنا بحماس زائد من أخطر الآفات التي واجهت مختلف الأنظمة ، وتسببت لها في عمى الألوان ، وعزلتها عن واقع الشعب ، ففوتت فرصا لا يمكن تلافيها بعد ذلك بأي حال من الأحوال.

إن الحديث عن الإنجازات بخطاب عاطفي والمبالغة في تثمينها قد لا يكون مفيدا ، وربما يأتي بنتائج عكسية ، خاصة أن المواطن العادي يعاني أوضاعا صعبة بسبب الغلاء وتردي الوضع المعيشي ، وضعف أداء أغلب القطاعات الخدمية ، قد يقول قائل محقا إن العالم كله يعاني جراء تداعيات الجائحة؛ كلام على قدر كبير من الموضوعية ، ولكن عجلة التنمية عندنا التي تسير ببطء شديد تحتاج دفعا جديدا ، ونحتاج إلى محاربة جدية لآفة الفساد التي تنخر مع الأسف في جسم وهياكل الدولة الضعيفة منذ تسعينات القرن الماضي وإلى حد اليوم.

سيدي الرئيس لا تسمحوا لهم بخداعكم

 إن علاقة الرئيس بالأعوان والرعية وضع أسسها وحدد معالمها  قدوتنا وسيدنا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه  حيث كان يقول : (رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي)

وكان على جلالة قدره يسأل حذيفة رضي الله عنه كاتم سر رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: (أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في معرفة المنافقين فهل ترى علي شيئا من آثار النفاق ؟).

سيدي الرئيس

إذا كان الفاروق رضي الله عنه لا يضع نفسه فوق شبهة النفاق التي كان بينه وبينها بعد المشرقين ، ويطلب بصيغة الإلحاح أن تهدى له عيوبه ، أليس حريا بكم أن تشكوا على الأقل في صدق نيات المطبلين والمتملقين ؟

أعتقد جازما أنكم تدركون أن جنابهم لا يؤتمن ، فلم تخرج مظاهرة واحدة في هذا البلد دعما لنظام آفل  ، أو دفاعا عنه  مهما كان ، لأن طريق القناعات يمر عندهم  بالجيوب والمصالح والصفقات .

 

وفقكم الله لخدمة موريتانيا

وسدد خطاكم وأنار بصيرتكم

 

خميس, 30/12/2021 - 08:56