اكثر من مشهد في كازاخستان من شانه ان يعيد الى الاذهان مشاهد سابقة مرت على العالم مع تواتر الاحتجاجات في دول الربيع العربي لا سيما التي تم عسكرتها فتحولت الى صراعات دموية و منها المشهد اليمني والليبي و السوري و كما انه حيثما كان لهنري ليفي دور في السر او العلن هناك ايضا قناعة انه حيثما حل توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق الا و حل معه الخراب …ظل بلير مستشارا خاصا لرئيس كازاخستان منذ 2014 و حصل مقابل ذلك على نحو سبعة مليارات من الدولارات لم تمنع اندلاع الاحتجاجات و ستفاقم متاعب توكاييف بعد قرار الحكومة رفع اسعار الوقود التي اججت المشهد وحولت عددا من المدن الكبرى في كازاخستان و بينها مدينة الماتي الى ساحة وغى مفتوحة شهدت مقتل و اصابات الكثيرين خلال الاسبوع الاول من العام الجديد..
..و يبدو ان الرئيس الكازاخي اقتنع بان العودة الى ما قبل الزيادات على حد تعبير الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بعد احداث الخبز في سبعينات القرن الماضي بانه هوالخيار الاسلم والاكثر حكمة على الاقل في هذه المرحلة الى جانب دعوة موسكو لمساعدته في استعادة الامن و الاستقرار ..و يبدو ان حالة الهدوء الحذر بعد هذا القرار الذي اقترن باقالة الحكومة قد حظي برضاء شريحة من الراي العام الذي اعتبر انه تمكن من تحقيق مطالبه من الاحتجاجات فيما تبدو شريحة اخرى غير معنية بما حدث في الساعات القليلة الماضية و مصرة على مواصلة الاحتجاجات و المطالبة باصلاحات جذرية تشمل ضمان الحريات و القطع مع الفساد والاستبداد …
الى هنا قد يبدو المشهد الكازاخستاني شبيه بمشاهد كثيرة واحتجاجات شعبية عاشت على وقعها مناطق كثيرة في العالم و هي تحركات بدأت سلمية و رافعة لشعارات العدالة و الحرية و الديموقراطية قبل ان تتحول الى تحركات دموية يقودها العنف و الفوضى مع تسلل القوى الاقليمية والدولية المؤثرة بكل الطرق المتاحة لعسكرة هذه التحركات…
وقد لا يكون بالامكان حتى هذه المرحلة تحديد مصير الاحتجاجات في كازاخستان و ما يمكن ان تؤول اليه في منطقة لا تخلو من التوتر و التنافس بين كل من روسيا و الصين من ناحية و امريكا و معها الحلف الاطلسي من ناحية اخرى ..
لا خلاف أنه بين رئيس كازاخستان السابق نورسلطان نزار باييف الذي حكم البلاد طوال ثلاثين عاما و تحديدا منذ انسلاخ كازاخستان عن الاتحاد السوفياتي في 1991 و بين الرئيس الحالي توكاييف الذي ياتمر باوامره و يخضع لتوجهاته اكثر من عنصر تشابه في ادارة البلاد بقبضة من حديد بتوظيف الدائرة المقربة من اصحاب السلطة و توسيع نفوذها و تغييب الاصلاحات و الحريات …واذا كان هوس نورباييف بالسلطة و نرجسيته جعله يجعل اسم العاصمة الجديدة على اسمه نور سلطان , فان اسم خلفه قد اقترن بامتداد الفساد الذي عم البلاد …
وقد جاء قرار الحكومة برفع اسعار المحروقات مؤذن باندلاع شرارة الاحتجاجات التي اتخذت و منذ الساعات الاولى توجها خطيرا انتهي بضوء اخضر من الرئيس توكاييف لرجال الامن باطلاق الرصاص…
الاكيد ان تطورات الساعات القادمة ستجعل كازاخستان تحت المجهر الدولي , فالامر يتعلق ببلد مترامي الاطراف واقع بين الصين و روسيا ويعد تاسع اكبر دولة في العالم ويوازي في مساحته
مساحة أوروبا الغربية و هو فوق كل ذلك بلد غني بالنفط و التقارير المتوفرة تشير الى انه يسبح على ثروات طبيعية متعددة بينها 3 في المئة من احتياطي النفط العالمي، فضلا عن الفحم والغاز و هي تنتج حوالي 1.1 مليون برميل يوميا من النفط الخام..و اغلبية سكانه من المسلمين وهو سبب اخر من شأنه الا يترك موسكو على الحياد بعد الصراع الحاصل في اوكرانيا و تمدد الحلف الاطلسي الى حدودها … و قد لا يكون الرئيس قاسم توكاييف طلب تدخل روسيا بايعاز من الرئيس الروسي بوتين تجنبا لتمدد الاحتجاجات اكثر فاكثر وامتدادها ربما خارج جمهورية كازاخستان , وربما هذا ما يفسر ايضا سرعة تفاعل منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها تقودها موسكو، و التي تجمع أرمينيا وبيلاروسيا وقيرغيزستان وطاجيكستانلترسل قواتها الى كازاخستان و ذلك للمرة الاولى منذ تاسيس هذه المعاهدة في 1999.
– لا خلاف ايضا ان كازاخستان كانت واحدة من أكثر دول الاتحاد السوفياتي السابق استقرارا، و ما يحدث يثير مخاوف موسكو التي لا تنظر بعين الرضا الى سرعة انتشار الاضطرابات خاصة و ان موسكو تستخدم ميناء بايكونور الفضائي الكازاخي لإطلاق الأقمار الصناعية ورواد الفضاء إلى محطة الفضاء الدولية…
تعجيل موسكو بالتدخل في كازاخستان لا يخل من حسابات استراتيجية و امنية تاتي استباقا لاجتماعات موسكو و التاتو المرتقبة الاسبوع القادم في بروكسيل و ما يمكن ان يفرزه مع تواتر الانباء عن احتملات الاتفاق على انشاء منطقة عازلة
بين الجانبين, هو ما يعني ان موسكو يمكن ان تستعمل ورقة كازاخستان في مفاوضاتها لاسقاط الكثير من الحسابات حول اندلاع ثورة شعبية جديدة من الثورات الملونة على غرار ثورة البرتقال في اوكرانيا الجمهورية السوفياتية السابقة ..ولا تبدو واشنطن و معها الناتوغائبة عن حسابات مواسكو و قد جاءت تحذيرات وزير الخارجية الامريكي بلينكن بانه لن يكون بالامكان اخراج القوات الروسية من مكان اذا حلت به …
و هي كلمة حق قد لا يراد بها حق فكما ان القوات الروسية لا يمكن ان تسحب اذا حلت باي منطقة فان القوات الامريكية بدورها لا تحيد عن هذا الخيار عندما يتعلق الامر بلعبة المصالح الاستراتيجية لها و هو ما حدث في العراق و سوريا و ليبيا التي تشهد على الوجه الاخر للثورات عندما تدنسها التدخلات الاجنبية و تتلاعب بها و تحول طموحات الشعوب الى حروب اهلية و صراعات مفتوحة و حرب عصابات و فوضى لا يمكن ان تكون خلاقة …
نقلا عن رأي اليوم