بعيون طفل

محمد الأمين محمودي

في الملعب المقابل لمدرسة خيار كانت طفولتي مع بعض الأصدقاء منهم مولاي ول الديدة، ولأن بيته يطل على حافة الملعب الصغير، كنا ندخل البيت ونركض في الرواق الطويل لنشرب دون استئذان ثم نعود للعب،كنا نتوقف كل عصر ونتجمد في أماكننا، لأن الوقور الأبيض محمد الشيخ سيخرج الى المسجد في موعد لم يتأخر عنه قط،كبرنا قليلا وانتقلنا الى الاعدادية وهنا دخلنا البيت كمجموعة طلبة نذاكر في الصالون ومعنا محمد رحمه الله وسيدي عثمان قريبهم الذي يكبرنا كثيرا لكنه يجلس معنا في الفصل على نفس المقاعد، وتكرمنا الأم لفقيهة وتعاملنا تماما كأطفالها مادمنا مهذبين،أما محمد الشيخ فلاهم له الا مراقبة ساعته والذهاب الى المسجد والعودة منه أومجالسة صديق عمره محمد صالح ولد حماد،ومما نذكره انهما كانا يملكان سيارتين من نوع 504 برقمين متتابعين،كما اشتهرت شراكتهما وعلاقتهما التي كان الجميع يتحدثون عن انها علاقة في الله، وفي الله فقط،لكنها أثمرت المال الوفير والسمعة الطيبة،كان انواكشوط صغيرا كالفريج وكان الرجلان بدرين من بدوره،يعرفهما الجميع ويتحدث الناس عن تماهيهما في بعضهما،شكلا وسمتا ووقارا، ثم ذاع اقبالهما على المسجد والقيام فيه، ونجاح أعمالهما التجارية وحرصهما على الزكاة واشراك طوابير الفقراء في أموالهما،كبر الرجلان،فترجل محمد صالح قبل مايزيد على عقد من الزمن،أما محمد الشيخ فقد ظل حتى هاجر الى الأراضي المقدسة في مسعى منه لانهاء مساره في أرض تناسب ببركتها حيثيات وقدسية المسار،وقد أخبرني شخص أثق في نقله ان الرجل أسر قبل أسبوعين لأحد أصدقائه بأن يسأل الله له الفرج بالرحيل قبل العودة،بحجة ان أوراقه لن تسمح له بالبقاء في المدينة المنورة أكثر من هذا وانه عاش على أمل الموت في الأرض المقدسة..بعد أسبوعين شاءت الأقدار أن يكون له ما أراد فتوفاه الله حيث أحب وانتهت رحلته كما رتبها بنفسه منذ عقود طويلة،ليدفن هذا الصباح بالبقيع الطاهر..كانا رجلين ترجلا،
رحم الله محمد الشيخ ولد الديدة ورفيق دربه محمد صالح وغفر لهما وأدخلهما الجنة وبارك في خلفهما.

سبت, 15/01/2022 - 11:11