للفساد صنوف وأنواع لا حصر لها، ولا يكاد المرء يحسب نفسه يحصيها، حتى يبيض الفساد ويفقس في وجهه أنماطًا جديدة، فنجد ما هو معروف مثل الرشوة والاختلاس والسرقة والاحتيال والابتزاز، كما نجد الملتبس الكامن، الذي يلدغُ دون أن يُكشف، كاستغلال النفوذ وسوء استخدام السلطة، والمحاباة والمحسوبية والزبونية.
ومن الفساد صنوف أخرى أشد فتكًا وأكثر سُمًّا، يعرفها المفسدون أكثر من غيرهم، وهم في تلك المعرفة مراتب ودرجات.
اليوم ظهر لي نمط جديد، يختلف عن كل ما سبق، إنه فساد كاذب ومخادع، يُراد لك أن تحسبه فسادًا، فتضع جهدك في معركة الانتصار عليه، وحين تتحقق غايتك، تسري في جسدك قشعريرة، وترتخي عضلاتك، وتحس بنشوة وراحة، لأنك ربحتَ جولة ضد من يسرقونك كل يوم.
والأخطر هو أنك لن تكتشف أبدًا أن نصرك قد سُرق، لأنك إنما انتصرت على عدو وهمي، لقد صرعت "دمية قش" هم من أوقفوها أمامك، فشغلوك بها وشتتوا تركيزك، لقد منحوك عدوًا تتصارع معه فتصرعه.
دمية القش تلك هي الفساد الافتراضي!
إنها صورة مبتورة من سياقها، يسهل جلدها وجلد صاحبها، لأنه حتى الشركة لا تجد أي غضاضة في أن تنخرط في جوقة الجلادين، ومعاقبة "المسؤول" الذي سمح بأن يتحول إلى "دمية قش" يصارعها أهل الفيسبوك.
ربما تقول الشركة إنه ما دام قد حمل كبشا فلا بأس بأن يتحول إلى "كبش فداء"، وقربانا لآلهة الفيسبوك، المزاجية والمضطربة.
لقد ارتكب هذا المسؤول خطأ، حين استغل وسائل عمومية في شأن خاص، لا مشاحة في ذلك، وتلك هي "دمية القش" التي صرعها أهل الفيسبوك أمس.
ولكن.. من صنع "دمية القش" هذه؟!
حين تقول الشركة إن الشخص المعني من "كبار خبراء المؤسسة القدماء"، وتشهد له بأنه "مستقيم"، ومع ذلك يعجز عن إتمام مروءته، يكون الخلل كبيرًا، إذ لم تشفع له خبرته ولا تجربته ولا استقامته، ولا حتى أقدمية خدمته، لقد خرج من كل ذلك بالعجز!
ولو أنني أرى فيه إنسانًا عظيمًا، يعملُ في شركة بائسة، يهيمن عليها المفسدون الفاسدون، من ناقصي الخبرة والتكوين، باعتراف الوزارة الوصية أكثر من مرة.
هذا هو "الفساد الافتراضي"؛ عدو وهمي يتزاحم الناس للدوس عليه، بينما يجلس "الفساد" القرفصاء بعيدًا، يضحك من سذاجتنا، لأنه لا أحد سيطرح سؤال #العدالة، فلماذا كل هذه الخبرة والتجربة والاستقامة حين لا تمنح صاحبها القدرة على الوفاء بمروءته، إنه الظلم وذاك مرتعه وخيم.
إنه أخطر أنواع الفساد.