دمارُ شامل

وحيد عبد المجيد

يبدو أن التقدمَ الذى حققته البشريةُ لا يكفى لصرف النظر عن نبوءات، وأحيانًا توقعات، بأنها ستدمر نفسها، أو تُعيدُ الحياة على الكوكب إلى ما كانت عليه قبل قرون، وربما أزمان أبعد. هذا بعضُ ما أظهرته الحربُ فى أوكرانيا، وأدى إلى إعادة تفكير فى أن تكون الأسلحةُ النوويةُ أكثر من وسيلة ردع، ومراجعة اعتقاد شاع فى أنها غير قابلة للاستخدام الفعلى. لم تأخذ مسألةُ الأسلحة النووية، والدمارُ الشاملُ الذى يترتبُ على استخدامها، هذه المساحة من الاهتمام منذ انتهاء أزمة خليج الخنازير عام 1962. فالنتيجةُ التى انتهت إليها تلك الأزمةُ خلقت اعتقادًا صار شائعًا فى أن الردع المتبادل كاف للحيلولة دون استخدام الأسلحة النووية، ومن ثم تجنب دمارٍ شاملٍ يُهددُ استمرار الحياة على الأرض. لكن هذا الاعتقاد صار موضع مراجعة، الأمر الذى خلق قلقًا لن ينتهى عندما تضعُ هذه الحرب أوزارها. ليست هذه محض هواجس وها هو السكرتيرُ العامُ للأمم المتحدة يحذرُ قبل أيامٍ من أن (احتمال نشوب الصراع النووى عاد الآن، بعد أن مضى زمنُ لم يكن ممكنًا تصوره فيه). وهو يقصدُ زمن الاطمئنان إلى إن الردع المتبادل يكفى لتجنب هذا الصراع. وحتى إذا لُجئ إلى استخدام أسلحةٍ نوويةٍ تكتيكيةٍ مُصممةٍ لساحات حربٍ محدودةٍ، وربما تقلُ قوتُها عن قنبلة هيروشيما، ويمكن إطلاقُها بواسطة قذائف مدفعية أو طوربيدات صغير‪ة‬, فالأرجحُ أن هذه لن تكون سوى بدايةً تعقبُها نهاية سريعة فما أن يُشرع فى ضربةٍ نوويةٍ محدودةٍ حتى تتسارع تداعياتُها فى دقائق، وتقودُ إلى استخدام أسلحة نووية استراتيجية. وليس فى إمكان أى نظامٍ مضادٍ للصواريخ الباليستية حاملة الرءوس النووية تعطيل كل ما يُتوقعُ إطلاقه، حتى إذا اشتمل على آلاف الصواريخ المضادة. فقد مضى زمنُ كان ممكنًا فيه احتواء حربٍ نوويةٍ تكتيكيةٍ محدودةٍ قبل أن تتطور بسرعةٍ شديدة إلى حرب دمارٍ شامل. ولم يعد ممكنًا الآن تداول طروحاتٍ مثل تلك التى نُشرت فى الخمسينيات عن فائدة الحرب النووية المحدودة فى حالات معينة. وجاء زمنُ صار أىُ استخدامٍ لأسلحة نووية فيه ينذرُ بدمارٍ شامل.

* نقلا عن "الأهرام"

اثنين, 11/04/2022 - 14:46