الجيل الذى دخل السياسية إبان نكسة المسار الديمقراطي سنة ١٩٩٢ لايزال مرتهنا لأفكار قديمة، قوامها الأساسي ؛ التصعيد فى وجه الحاكم مهما يكن ، والدفع باتجاه الحوار دون أجندة واضحة، أو إجراءات محددة يمكن للمتابع أن يحكم من خلالها على فشل الحوار من نجاحه.
لا يوجد قانون أو مشروع قانون محل رفض تطالب النخب السياسية بإلغائه أو تعديله، ولاتوجد إجراءات محددة فى مجال الحكامة يطلب تنفيذها أو العدول عنها، ولا أجندة انتخابية معطلة يطالب البعض بإحترامها ، وقد تم تمييع ممهدات الحوار فى أوقات سابقة لتشمل الإفراج عن بعض المتهمين بالفساد، أو إلغاء متابعة البعض الآخر ، أو حلحلة ملف خلافى بين بعض الشركات الوطنية والعاملين فيها، أو استضافة رموز الطيف المعارض فى وسائل الإعلام العمومية دون إلزامها بتطبيق القانون أودفعها نحو المؤسسية والتمهين !.
إن الحوار من أجل الحوار مضيعة للوقت، وتبديد للمال العام، وتصعيد لبعض الأوجه الراغبة فى إقناع النظام بقدرتها على إضافة الجديد، بينما هي بمحاولاتها غير الموفقة تخرم الإجماع الحاصل فى الأغلبية، وتثير نقاط الخلاف مع الطيف المعارض وتوسع دائرة المختلف فيه بين شركاء البلد الواحد، وتنقل البلد من أجواء الهدوء والإنشغال بالمواطن ومصالحه، إلى الصراع والخصومة وإظهار الضجر والإمتعاض وتحويل الأنظار نحو بعض الأمور المتجاوزة.
إن حرص المعارضة على تصحيح أخطاء النظام عبر الحوار والتشاور، بدل تركه يواجه مصيره فى صناديق الإقتراع هو أغرب سلوك ديمقراطى فى العالم، وحرص النظام على إشراك المعارضة فى تقرير مصير من لم يمنحها ذلك الحق، والإستثمار فى غير المقنع أو المسؤول، بدل تركيز الجهود على التنمية وتعزيز اللحمة الداخلية وتقدير القوى الداعمة وإشراكها ، هو انشغال بالعرض عن المرض، وتبديد للوقت والموارد فى غير المقنع أو المستحق.
إن النظام مطالب بحسم ورقة التشاور بسرعة، والذهاب إلى التقطيع الإداري المنتظر، وإقرار القانون التوجيهي للتعليم، وتعزيز المنظومة القانونية الضابطة للعملية الانتخابية، وتشكيل لجنة جديدة، ومرصد انتخابى من أهل المصداقية والفاعلية، والتوجه للشارعظ وانجاز مشاريع تنموية تخدم المواطن وتمكث فى الأرض، وإعادة ترتيب المشهد بشكل يسمح لها بالانطلاقة نحو غد أفضل.
بينما يليق بالمعارضة ترتيب بيتها الداخلي، وتنقية خطابها المرتبك، والخروج من الدائرة الرمادية إلى نصاعة المواقف والمواقع، والاقتراب من المواطن، وحمل همومه وانتقاد النظام وإظهار نقاط ضعفه، والذهاب برؤية واضحة الى الإنتخابات التشريعية والبلدية والجهوية من أجل تعزيز مكاسبها، فمهمتها الأولى تغيير الواقع لاترميمه، وأن تكون البديل عن النظام الفاعلين فيه ، بدل قرع أبوابه للشراكة فى السلطة عبر التشاور والحوار.