للأقصى شعب يحميه!

اسيا العتروس

المقارنة بين نصرة المجتمع الدولي لأوكرانيا وبين تخاذل هذا المجتمع الدولي مع فلسطين مسألة ستحتاج لأكثر من قراءة قانونية وإعلامية وخاصة سياسية وستعود إلى سطح الأحداث طالما استمرت الحرب الروسية في أوكرانيا… يمكن القول انه إذا كان لأوكرانيا مجلس امن دولي متأهب وجاهز يرعاها ويوفر لها المساعدات العسكرية لمواصلة الحرب التي تقودها أوكرانيا بالوكالة عن الغرب فان للقدس وللأقصى شعب يحميه وهو شعب محاصر لا منافذ ولا معابر له إلا ما سمحت به إسرائيل شعب لا تصله مساعدات إنسانية أو مالية ولا عسكرية ولكنه يهب كطائر الفينيق كلما اعتقد العالم انه سقط وتلاشى..

أول الإشارات التي يتعين التوقف عندها على وقع التطورات الخطيرة في القدس المحتلة وفي فضاء المسجد الأقصى أنه في إعلان السلطة الفلسطينية تأجيل اجتماع القيادة إلى اجل غير مسمى رسالة خاطئة للداخل الفلسطيني كما لإسرائيل وللخارج وهي رسالة تسير عكس التيار إذ وفي الوقت الذي يشتعل الشارع الفلسطيني من الضفة إلى القطاع وفي الوقت الذي يستبسل فيه الفلسطينيون العزل ومن كل الفصائل دفاعا عن مقدساتهم وعن وجودهم ويرابطون داخل وخارج الأقصى تحسبا لأي عدوان او هجوم استفزازي للجماعات المتطرفة تختار القيادة الفلسطينية موقف الترقب والانتظار متوهمة أن المعجزة ستأتي في أي لحظة من الخارجية الأمريكية لحسم موقفها نهائيا من الاحتلال وهي بذلك تتجاهل خطورة وتداعيات الابتعاد عن نبض الشارع وعدم الالتحام بالشعب الفلسطيني الذي يصر في كل مرة على توقيع الملحمة بدماء ابنائه ومناضليه داخل وخارج الخط الأخضر الذين يؤكدون وفي كل معركة انهم شوكة لا تنكسر في حلق الاحتلال… الحقيقة ان ما يصح في وصف السلطة الفلسطينية يصح ايضا في وصف كل سلطة وكل شعب يسعى لاستعادة موقعه ومكانته بمعنى انه لا يمكن لصاحب القضية ان ينتظر من أي طرف ان يحمل عنه قضيته بدلا منه، وأنه لا يمكن ايضا لصاحب القضية ان يتخلى و يتنازل عن كل اسلحته  المشروعة دون ضمانات ملموسة على ارض الواقع.. ولعلنا لا نكشف سرا اذا اعتبرنا ان ما يحدث من تململ اليوم وانشغال وتحركات لانهاء المواجهات الحاصلة في القدس المحتلة اليوم مردها ان هناك هبة فلسطينية تتسع يوما بعد يوم وهناك مخاوف من رائحة انتفاضة جديدة على رأسها جيل ولد من رحم اتفاقات أوسلو ولكنه جيل رضع في جيناته الكرامة رفض الخنوع والاستسلام للقهر.. وربما الخوف من أن يأتي يوم تتحقق فيه الصحوة المرتقبة وتسقط الفتنة بين الإخوة الأعداء وهذا ما كان يتعين على السلطة الفلسطينية العمل عليه..

وقد كان لزاما على الرئيس محمود عباس وهو الذي خبر جيدا على مدى الحكومات المتعاقبة لليمين الإسرائيلي المتطرف ما يريده الاحتلال من اتفاقات اوسلو ومخططاته ان تبقى مجرد حبر على ورق لابتلاع مزيد الأرض وهدم ما بقي من فرص  اوهام السلام وأن تكون السلطة في خدمة امن الاحتلال وشروطه المجحفة..

طبعا ليس من يواجه الاحتلال على ارض الواقع ومن يسعى لتطبيق العدالة الدولية كمن يجلس في مكتبه للتعليق او متابعة ما يحدث فلا شيء مهما كان صدق النوايا وحجم وعمق التعاطف مع القضية الفلسطينية يمكن ان يرتقي إلى حجم معاناة أصحابها وأطفالها ونسائها وشبابها ورجالها تحت قمع ووحشية الاحتلال… تماما كما أنه لا احد اليوم يمكن ان يشكك في أن هذه المواجهة يخوضها الفلسطينيون وحدهم بما يتوفر لديهم من إرادة وإصرار على الدفاع عن حقهم المشروع بعد ان خذلهم الجميع وتركوا على ارض الميدان يواجهون مصيرهم بمفردهم وهذه حقيقة ثانية يستوجب التوقف عندها لان هذا الواقع يفترض وهنا مربط الفرس استعادة الوعي المفقود وإعادة جمع العقد المنفرط بعد ان ضاعت حباته بين الفصائل وفقدت قيمتها الأصلية في موازين اللعبة الإقليمية والدولية وهو ما يعني صراحة انه آن الأوان وبعد ملحمة الأقصى التي والحق يقال ليست جديدة على الشعب الفلسطيني الذي سطر أروع الملاحم النضالية على مدى مسيرته في مواجهة الاحتلال استعادة الفصائل الفلسطينية وحدتها وتجاوز خلافاتها وانشقاقاتها وأوهام السلطة والنفوذ تحت الاحتلال وجمع صفوفها تحت راية واحدة لإنهاء الاحتلال.. لا خلاف انه سيكون من الوهم انتظار أن تتحرك الإدارة الأمريكية لنصرة القضية الفلسطينية والضغط على الاحتلال الإسرائيلي أو محاصرته أو معاقبته أو منع المساعدات العسكرية السخية له.. وقد بتنا نعرف ما سيكون عليه موقف وزير الخارجية الأمريكية قبل حتى أن يتحدث أو يصدر بيانه حول العدوان الحاصل في الأقصى  وسيكون أول رسائل بلينكنان دعم إسرائيل أولوية لا حياد عنها… ويمكن أن نقول إن عبارات من قبيل الدعوة لضبط النفس ولتخفيف التوتر وتجنب الاستفزازات كانت ولا تزال من العبارات المستنسخة على مدى عقود في بيانات الخارجية الأمريكية التي يصح في وصفها أن توازي بين الجلاد والضحية بل إنها في اغلب الأحيان تذهب إلى ابعد من ذلك بالانتصار اللامحدود للجلاد على حساب الضحية وهو ما يفترض أن يسقط عنها دور الراعي الوحيد للسلام في الشرق الأوسط خاصة وان مشروع السلام برمته قد تبخر واندثر..

في خضم كل ذلك طبعا سيكون من الهراء أن نتوقع أن يقدم أي من الدول العربية أو الإسلامية وفي مقدمتها تركيا المطبعة مع تل أبيب على إلغاء التطبيع أو قطع العلاقات أو طرد السفير.. لهذه الأسباب ولغيرها أيضا فان وحدة الصف الفلسطيني وحدها كفيلة برد العدوان وتحديد الخيارات المصيرية وإذا تحقق ذلك فلا خوف من عزل أو محاصرة الفلسطينيين أو قياداتهم وسيتوافد عليهم الجميع طلبا للتهدئة لأجل إسرائيل..

نقلا عن رأي اليوم 

اثنين, 25/04/2022 - 16:57