هدايا العيد!

خالد الفاظل

هناك رجل يضع يديه في جيبيه ويسير وحيداً
يرتدي قبعة كلاسيكية وسترة طويلة تجعله شبيها بمحقق متقاعد
محقق يشككُ في كل شيء يراه، أو يلمسه، أو يشم رائحته..
يمر على المقهى ولا يجلس من أجل تناول كوب من القهوة الدافئة
يمر على الربيع يختال ضاحكا مع الأشجار والطيور ولا يلتقط صورة تذكارية
يمر على محطة القطار ولا يتأمل ملامح العابرين ولا يصحب معه جريدة 
يصعد الباص وينسى وجهته، فيقرر أن ينزل في المحطة الأخيرة
يدخل متحفا فخما ولا تقع نظراته في تأمل ذلك التمثال الذي يتوسد الرخام
ولا تلك اللوحة السريالية المحبوسة داخل إطار الواقع 
يقف على حافة البحيرة التي يبدو قاعها مرئيا من الصفاء
لكنه لا يرى وجهه يتموج على صفحات الماء قرب الأوز الأبيض
بل يرى طبقا من الكسكس عليه رأس خروف محاط برذاذ "التيشطار"
فيحرك لسانه، فيجد طعم ذكريات العيد في فمه 
فينزع يديه من جيبيه، فإذا هي فارغة من هدايا العيد
فيعيدها إلى جيبيه مرة أخرى ويواصل السير وحيداً
يسير دون أن يلاحظ أن جبال الألب في الأفق لا تشبه هضاب العرگوب
وبأن شارع "فولتير" لا يشبه شارع "أحمد لمين"
وبأن خطواته ومهما واصل السير، لن تترك أثرا على الطريق المبلطة بالحجارة والرخام
وليترك أثراً خلف خطواته نحو الله
عليه أن يعاود السير على الرمال المسافرة نحو صمت الحكايات
عليه أن يقاوم العواصف التي عبثت بكل شيء في موطنه يحاول أن يبقى متماسكا، حتى بخصلات شعر على رأسه كان يدخرها للأربعين
وفجأة وهو يسير..
عثر على أرجوحة أطفال وسط الحديقة
أطلق سراح نفسه وتأرجح مع الذكريات 
فرأى كرة أحلام مثقوبة في ظل بيت من الحجارة نوافذه من الخشب المتآكل
ثم رآها منفوخة مثل بالونات أعياد الاستقلال الشتوية
تكبر وتكبر، لتنفجر وتحرر فراغا بداخلها بنكهة الغبار
عاد الرجل دون أن يصافحه أحد العابرين ويطلب منه السماح 
عاد وفتح الشرفة المُطلة على مباهج الربيع
وأعد فنجانا من القهوة رغم وجود شاي "آزواد"
وطبخ بيضا مسلوقا رغم وجود الكسكس و "تقية"
وبدل أن يستمع لموسيقى قادمة من أعماق "لبتيت"، استمع لفنانة من "الرأس الأخضر" تدعى سيزاريا إفورا تقول أغنيتها البسيطة الكلمات:
من الذي دلك على ذلك الطريق الطويل
الطريق إلى "ساو تومي"
حنين، حنين، حنين..
حنين من أرضي "ساو نيكولاو"
وذلك الرجل ليس أنا! إنه Khaled Elvadhel
يوما بعد يوم، أدرك أن كل الأماكن متشابهة، لكن الحكايات هي التي تجعلها مُختلفة. أكذب إن قلت إنني أشعر بالغربة، وأكذب أكثر إن قلت إنني لا أشعر بها. لأن "الاغتراب" كان وما زال لصيقا بحكايتي منذُ بدأت أحداثها في يوم مشمس وجاف من أحد أعوام الثمانينيات..
الساعة منتصف الليل و 42 دقيقة وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم..

جمعة, 06/05/2022 - 12:31