قراءة في مسيرة ملف فساد العشرية

 المختار محمد يحيى

لم يعد يخفى على أحد من جمهور المطلعين على الساحة الوطنية المكانة الرفيعة التي بات يتمتع بها القضاء الموريتاني بمختلف مستوياته وصفاته، وهو ما خوله ليجسد بجدارة المسؤولية الوطنية والشرعية في تحقيق أمثل لدولة القانون، ومبدأ الحق يعلو ولا يعلى عليه، وذلك بتوفر جميع الشروط اللازمة للقيام بدوره في نشر الحق ودفع الظلم، وذلك بفضل مناخ الحرية والاستقلالية والمسؤولية التي أضحت سمة بارزة في هذا العهد.

إن المتتبع لحجم الملفات التي يعالجها القضاء الموريتاني بمختلف غرفه باعتباره مؤسسة عليا مستقلة، لا شك سيعي حقيقة المنجز القضائي المتحقق في البلاد، وذلك بفضل جهود معرفية وقدرات قانونية أتيحت لها الفرصة لتحقيق ما عجزت عنه في عقود سالفة بفعل التضييق الممنهج من قبل السلطات الأخرى، وبما أن العهد عهد استقلالية بشر به فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني تجد فيه مختلف السلطات نفسها حرة بحسب ما يكفله الدستور الوطني، وتقره القوانين والتشريعات، فإن استقلالية القضاء صارت حقيقة لا يجحدها سوى مكابر.

إن الميزان الذي به نقيس جديد الساحة الوطنية قائم على التجربة، فليس حمل لواء محاربة الفساد بالأمر الهين في السابق، والذي تقوم به المؤسسة القضائية بكل ثقة واقتدار مدفوعة بالحماس الوطني نصرة للحق لا غير، فمعالجة ملف فساد العشرية وفق مساطر قانونية شفافة، والعمل على تحقيق شامل لا يغفل صغيرة ولا كبيرة، مع الأخذ بالوقت الكافي دون التعرض لأبسط تدخل في سيره، يعد إنجازا في حد ذاته يستحق منا الوقوف إجلالا لمؤسسة القضاء بكل أعضائها من قضاة أجلاء.

إن تعهد رئيس الجمهورية بترجمة مبدأ الفصل بين السلطات إلى أمر واقع، جعل المؤسسة القضائية تعمل بشكل مستقل في جميع القضايا المطروحة أمامها، وعلى رأسها قضية فساد العشرية، في نأي واضح عن أي تدخل من السلطات العليا، التي لم تسع لا لتسريع التحقيق ولا لتأخيره، بل الحرية متروككة أصلا للقضاء في أبهى حلل دولة المؤسسات، التي تكفل لجميع المؤسسات الحرية، وتضمن لهم ظروف الاستقلالية، فهاهو القضاء ينهي فصلا هاما من مشواره في التحقيق القضائي بالملف ويقرر إحالة 12 متهما إلى المحاكمة بعد اكتمال بحثه في حيثيات الملف، واستماعه لمختلف الشهود، واطلاعه على مجمل المصادر.

ونظرا لكون المتهمين الثلاثة عشر موريتانيون سيحاكمون في قضاء موريتاني مستقل، فإنه ليس هنالك مجال لأي جهات أخرى في التنظير ولا المزايدة، فهو أمر قضائي صرف، ينتظر المواطنون بكل صبر أن يتم بهدوء ويتم اكتشاف الحقيقة، تلك الحقيقة التي بإمكانها أن تجيب على سؤال: أين ذهبت ثروات البلد المنهوبة خلال العشرية السوداء؟ إن الرأي العام لا شك أنه يحترم ويقدر جهود هذه المؤسسة القضائية، ويعلق عليها آماله في تحقيق العدالة والإنصاف لصالحه، فلا كلمة تعلو اليوم في كلمة القضاء الفصل، فالحق يعلو ولا يعلى عليه.

جمعة, 03/06/2022 - 12:42