رسالة لجيل "اللمبة"!

خالد الفاظل

بالنسبة للجيل الجديد الذي يتعرض للكثير من التنمر من جيل "اللمبة" إنه جیل ذكي ومرن ولديه طاقة كبيرة، بيد أن المناهج التي "أخنى عليها الذي أخنى على لبد" جعلته يبدو غبيا. تخيل ما حدث بعد 2000 من تطور متسارع ومذهل للتكنولوجيا ووسائل تشريد المعرفة. فإذا أيقظت تلميذا من السبعينيات، شعره منفوش مثل أغصان شجرة من الطلح وأطراف بنطاله السفلية تشبه زعانف الأسماك الكبيرة مع الاحترام الشديد لهم جميعا. ثم ألبسته بنطالا متشنج الملامح يخشى مصافحة الكعبين وقميصا يجعل عنق لابسه مثل عنق الزرافة، وأدخلته أحد الفصول الآن فلن يلاحظ شيئا كثيرا تغير في "المناهج". فمن الطبيعي تماما تدني المستويات عندها نخضعها لمناهج كسولة..

كان أحد أجيال "اللمبة"، يرفل في نعيم من الفراغ يخلو من كل ضغوط الترفيه والعوالم الموازية، وإذا ذهب إلى الفصل وجد مدرسا متمكنا وصافي الذهن، أكبر مصاريفه إطلاق سراح دراعة من "الشگة" من عند المغسلة، كما أنه مصدر المعلومة الوحيد. مع فصل لا يعاني من الاكتظاظ ولا توجد في الأفق البعيد أسئلة معقدة عن المآلات سوى أن تُسمع بشرى النجاح في مذياع عتيق، بواسطة الصوت الدافئ لمقدم البلاغات والاتصالات الشعبية...

شخصيا عانيت من "المناهج"، وعُذبت بها مرتين؛ تلمیذا ومدرسا. فعندما تجاوزت الثالث الإعدادي توقفت تقريبا عن المراجعة والاجتهاد، فأصبحت أبدو تلميذا غبيا وأنا أقضي جل وقتي في مكتبة الثانوية وقراءة أشياء أخرى أجدها أكثر إلهاما وإذا عدت للمنزل، أخذت تلفزيوننا الذي أصبح عتيقا جدا وأحاول أن أفهم كيف صُنع. أما جامعة نواكشوط، فعندما دلفتها نمت على الطاولة حتى أيقظني توقيع عميد كلية العلوم والتقنيات على إفادة التخرج، ثم خرجت من بابها وأنا لا أشعر في قرارة نفسي بأن دماغي ازداد نشاطا، فقط، خسرت ذاكرته بعض مساحة التخزين السحابي. أما عندما صرت مدرسا بطريقة مباغتة، فأكبر صدمة واجهتني أمام سفح السبورة، أن أغلب التلاميذ لا يطرحون الأسئلة! وعندما لا يطرح التلميذ الأسئلة، فذلك لا يعني أنه غبي أو كسول، إنه ببساطة لا يشعر بالفضول المعرفي لأن ما يراه يخدره ولا ينبهه. أما الاختلاس فإنه كان موجودا. لكنه كان فقط بوسائل بدائية لا ترهق ذلك المراقب الذي يسند ظهره على الجدار ويصغي جيدا لعله يسمع خربشة للأوراق، ويفكر عميقا كيف ستبدو الصورة التي التقطها منذ أيام مع طلابه بعد تحميضها!

هناك سؤال يجب أن يطرح دائما:  "ماهي الجدوائية؟ وما الآلية المتاحة لبلوغها؟". لا أنسى أن الملتقيات التكوينية النادرة كانوا لا يطرحون هذا السؤال المهم للغاية. فيعتقد الجميع بأن جدوائية التكوين تكمن فقط، في قضم الخبز الحافي وارتشاف جرعات من اللبن المستورد(روز) الذي استبدلوه كما يبدو بحليب "كل يوم"، ثم قبض التعويض في نهاية التكوين والانقشاع مع غبار الأمنيات!

وما العثرات التنموية إلا سببا لعدم طرح هذا السؤال بکل صدق وجدية، ما هي الجدوائية من مشروع ما استنزف ميزانية ما؟ لذلك على وزارة التعليم ومن ورائها الجامعة اليتيمة وكل التخصصات "البحثية" والمهنية، طرح هذا السؤال ببساطة شديدة:

- ماهي الجدوى التنموية من سجن حوالي 40 الف تلميذ تقريا كل عام في أربعة أيام لتنجح منهم فقط 10%، ثم نترک البقیة تفترسها البطالة. ثم نسجن أغلب تلك 10% في جامعة نواكشوط عدة سنوات أخرى لنخرجهم أفواجا نحو الشارع لممارسة أنشطة لا يفقهونها ولم يكوَّنوا عليها أو نتركهم يعتنقون التملق أو يقعوا في أفخاخ الانتماءات الضيقة والمتشنجة..

المناهج الحالية لا تنتج غالبا سوى "فيسات" الذين دُلعوا كثيرا بدروس "التقوية". ومن المعلوم أن "فيسات" مثل "التكنوقراط"، لا يصنعون التغيير، لأنهم تعودا على ابتلاع ما يقدم لهم ولا يقولون لا ليفهموا ما يجري..

ختاما، الأجيال الحالية ذكية جدا، لكن عبدوا لها الطريق حتى تخرج لكم طاقاتها الكامنة..

الصورة المرفقة لا علاقة تربطها بالنص. التقطتها بالأمس من القمر وأنا في المتنزه. والذي ذكرتني إطلالته بهواية قديمة ماتت مبكرا. هواية الرسم على كل شيء يقع عليه بصري، ماتت لأنني لم أحصل على "علبة ملونة"..

الساعة منتصف النهار و 13 دقيقة وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

ثلاثاء, 14/06/2022 - 10:52