عن الجن والشعر ..

الشيخ معاذ سيدي عبد الله

كتاب (هواتف الجنان) للخرائطي، اقتنيته منذ سنوات.. وقد أسرتني روعته وطرافته.
الكتاب عبارة عن سفر من المتعة حول قصص الجن ومواقفهم مع البشر وخاصة في الجاهلية والإسلام وما نتج عن ذلك من أشعار وطرائف. 
ويورد قصصا كثيرة لبعض الصحابة مع الجان وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفسرهم عنها ومن ذلك قصة عطش المسلمين يوم الرجوع من  الحديبية إلى مكة..
الأشعار والقصص الواردة في الكتاب ذكرتني برفض الدكتور طه حسين للاشعار المنسوبة في كتب التراث للجان .. وتوقفه عند البيتين اللذين نسبت للجن حول قتل سعد ابن عبادة :
قد قتلنا سيد الخزرج       سعد بن عباده
ورميناه بسهم.        ثم لم نخطئ فؤاده 
وكنت أستغرب رفضه لهذا الشعر واعتباره موضوعا أو منحولا رغم أن القرآن تحدث عن الجان وعن تأثرهم ببلاغة القرآن  واعترافهم بذلك ( إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد).. فما المانع من قرضهم  الشعر ما داموا قادرين على القول?...
والمعروف أن الثقافة الموريتانية تحبل بقصص أدبية كثيرة اشترك فيها الانس والجان وتبادلوا الأشعار والأشوار (اكمامة واجقاقة)... (زيبالي زنكطح) وغيرهما ..
وتعتبر أسطورة (انوفل) مثالا حيا على إيمان الموريتانيين بعالم الجن.لدرجة تزاوجه مع الانس وما ينتج عن ذلك من خوارق و غرائب.
ولمن يريد التعمق في علاقة اهل هذه الأرض بالجن فعليه بكتاب الدكتور محمدو ولد احظانا ( صورة المغيب في المخيلة الموريتانية) حيث قصص الموريتانيين وصراعهم مع الجان ومناطق سكنهم وفصائلهم .. 
ومن مواقفهم  مع الشعراء ما حدث لهم مع العلامة الشاعر مولود ولد أحمد الجواد اليعقوبي .
فقد روى أحمد سالم بن باكَا (ت 1401 هـ - 1981 م)، عن رواة ثقات، في سياق تعليقه على قصيدة (المرجانية) أن :
" سبب إنشاء مولود لهذه القصيدة، (...) أنه كان ذات سنة في تيرس ينتجع المراعي بإبله، ومعه تلامذته، إذ بلغهم أن (الأجواد) به روضة غناء، والأجواد جبال مشهورة في (تيرس)، وكانت معروفة بسكنى الجن، وكان مولود من أهل علم السر (...) فارتحل بإبله إلى الأجواد، ومعه تلامذته، فلما نزلوها، كان ربما ذهب إلى السائمة، يتفقد أحوالها، فذهب على عادته ذات مرة، فلما رجع قالت له امرأته وهي (ميم بنت حبيب الله بن أشفغ المختار اليعقوبية) : إنها أتاها نفر من الجن، فقال لها أحدهم : (شعر لهجي) :
وَاللهِ عَظَّمْتْ الْجَوَّادْ == يَلُّو كَانِتْ وَلْفِ تَسْقَطْ
مَا كَاتِلْنِ مِنْ ذُ لَغْيَادْ == مَاهُ مَيَّمْ دَارِتْ مِقْدَادْ 
وِمْفَوَّتْنِ ذَ الدَّهْرْ انْبُطْ == مِسْتَلْبَكْ فِيهْ اثْنَعْشَرْ خِطْ
فقوض أثاثه مزمعا الارتحال عن الأجواد، فهجمت عليه كتيبة من الجن، فأمسكوا ذيل ثوب المرأة، فارتجل القصيدة، فلما بلغ قوله :
وَإِنَّنِي إِذْ عَدَا الْعَادُونَ عَدْوَهُمُ == عَلَيَّ وَارْتَكَبَ الطَّاغُوتُ طُغْيَانَهْ
لَمُسْتَجِيرٌ بِرَبِّ الْمُصْطَفَى وَبِهِ == مِنْهُمْ وَمِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَشَيْطَانَهْ
انهزم نفر الجن، يتساقطون، وأنجى الله تعالى مولودا وأهله "  .
(منشور سابق)..

اثنين, 20/06/2022 - 17:28